نُشرت هذه الورقة من قبل
"معهد ميسغاف" للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية
1
[المترجم]
بقلم: مائير بن شبات 2
تنتظر إسرائيل في الشهر المقبل سلسلة من الأحداث الدبلوماسية والقرارات المصيرية لمستقبل المنطقة، بدءًا من الحسم بشأن تجديد العقوبات الشديدة ضد إيران، مرورًا بالتحركات تجاه سوريا ولبنان، وصولًا إلى المبادرة للاعتراف بدولة فلسطينية. يأتي كل ذلك في ظلّ استمرار أصوات الحرب في قطاع غزة وإشارات تدعو إلى ضرورة السعي لإنهائها. أمّا النهج الموصى به فهو التحلي بالإصرار في جميع الساحات.
إعلان دول E3 – فرنسا وبريطانيا وألمانيا – عن تفعيل آلية سناب باك لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران يُعدّ خبرًا سارًّا لكل من يتمنى سقوط النظام الإسلامي المتطرف، أو على الأقل إضعافه. ومع ذلك، يبدو أن الدول الأوروبية ما تزال تنظر إلى هذه الخطوة كتهديد وأداة ضغط لإعادة طهران إلى مسار التسويات، أكثر من كونها إجراءً عمليًا
إعلان دول E3 عن تفعيل آلية سناب باك يُعدّ خبرًا سارًّا لكل من يتمنى سقوط النظام الإيراني.
المحادثات التي أجراها هذا الأسبوع نواب وزراء خارجية دول E3 مع نظيرهم من طهران، في محاولة لحل الخلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني، انتهت دون نتائج. وفي أعقاب ذلك، حذّر متحدثون باسم النظام الإيراني من احتمال أن يُفعّل الأوروبيون آلية سناب باك، قائلين: "إذا حدث شيء كهذا، فستكون لذلك تداعيات عليهم".
كما هو متعارف عليه في منطقتنا، فإن المفاوضات الحقيقية لا تبدأ إلا عند التلويح بالعصا. وفي حالتنا هذه، يبدأ ذلك من لحظة تقديم الطلب الرسمي لتفعيل آلية العقوبات إلى مجلس الأمن. عندها ستبدأ مهلة الثلاثين يومًا لتنفيذ القرار، ما لم تتمكّن إحدى الدولتين الشريكتين في الاتفاق – روسيا أو الصين – من صياغة حلّ توافقي يمدّد هذه الفترة الزمنية.
كما هو معلوم، فإن الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA) مُدرج ضمن قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ويتضمن آلية خاصة تُعرف بـ"سناب باك"، تنظم طريقة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران في حال ارتكابها خرقًا جوهريًا للاتفاق. ومن المتوقع أن تنتهي صلاحية هذا البند في 18 أكتوبر من هذا العام، ولتفعيل هذه الآلية يجب تقديم إشعار مسبق قبل ثلاثين يومًا، إضافة إلى وجود قرار – صدر بالفعل عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) – يؤكد أن إيران لا تلتزم بتعهداتها الواردة في الاتفاق.
بعد مرور ثلاثين يومًا من تفعيل بند سناب باك، من المفترض أن تعود جميع عقوبات الأمم المتحدة التي فُرضت على طهران قبل ذلك الاتفاق إلى حيز التنفيذ، إلا إذا صادق مجلس الأمن بمبادرة منه على قرار يمدد سريان التخفيفات المفروضة عليها. وتمتلك بريطانيا وفرنسا حق النقض (الفيتو) على مثل هذا القرار بحكم مكانتيهما في مجلس الأمن، وبما أنهما هما من بادرا إلى تفعيل الآلية، فمن المرجح أن تعرقلا صدور أي قرار كهذا.
إذا تم تفعيل آلية سناب باك، فإن العقوبات المفروضة على إيران ستشمل حظرًا على الأسلحة، ومنع تخصيب ومعالجة اليورانيوم مجددًا، وحظر أي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية أو نقل التكنولوجيا المرتبطة بها، إضافة إلى تجميد الأصول الإيرانية في أنحاء العالم، ومنع دخول شخصيات وشركات إيرانية إلى دول مختلفة، وكذلك منح الدول تصريحًا بتفتيش الطائرات والسفن التابعة لشركات الطيران والشحن الإيرانية للتأكد من خلوّها من البضائع المحظورة.
يجب على إسرائيل أن تستثمر تأثير الإدارة الأمريكية على دول E3 في ملف العقوبات على إيران.
صناعة الصواريخ الإيرانية، التي تجسدت المخاطر الناجمة عنها بوضوح خلال أحداث العام الماضي، تواصل تهديدها لإسرائيل – وليس لها وحدها. ففي الأيام الأخيرة، أكد وزير الدفاع الإيراني الجديد بصوته أن إيران تعمل باستمرار على إنتاج الأسلحة والصواريخ، وأضاف: "حتى في هذه اللحظة بالذات". كما أن الصواريخ التي تُطلق علينا بوتيرة مرة أو مرتين أسبوعيًا من قبل جماعة الحوثيين في اليمن هي من صناعة إيرانية.
نشرت قناة "أخبار إيران" على تلغرام تقريرًا جديدًا صادرًا عن مكتب التجارة في إيران، يعرض التأثيرات المحتملة لإعادة فرض العقوبات على الاقتصاد الإيراني. ومن بين التوقعات: قفزة في معدل التضخم من نحو 50% حاليًا إلى أكثر من 90% في السيناريو الأسوأ، ارتفاع معدل البطالة من 9.6% حاليًا إلى 14% في السيناريو نفسه، تراجع بنحو 40% في الإيرادات النفطية، انخفاض كبير في الاستثمارات الأجنبية، وانهيار في القيمة الإجمالية لسوق رأس المال. ويُعدّ هذا مسارًا يُتوقع أن تكون أضراره بالغة الشدة على الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني أصلًا من أزمات مزمنة.
يجب على إسرائيل أن تستثمر تأثير الإدارة الأمريكية على دول E3 في هذا الملف، إذ إن سلوك إيران يوفّر مبررًا كاملًا لإعادة فرض العقوبات عليها. وسيكون من الخطأ الاكتفاء باستخدام هذه الآلية فقط لإجبارها على العودة إلى مسار تسووي، بعد أن أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها لا تلتزم بالاتفاقيات الموقعة معها.
حان الوقت لتوجيه الضربة القاسية إلى ظهر النظام الإيراني بعد الضربة العسكرية التي تلقاها.
وبدلًا من ذلك، حان الوقت لتوجيه الضربة القاسية إلى ظهر النظام. فبعد الضربة العسكرية التي تلقاها والأزمات الداخلية العميقة التي يواجهها، قد تؤدي إعادة فرض العقوبات الشديدة – حتى لو لم يكن ذلك بشكل فوري – إلى تحقيق أهم إنجاز في الصراع مع نظام الشر الإيراني: زعزعة استقراره.
الاستفاقة من حلم "الحمّص في دمشق"
إنّ الإنجازات اللافتة التي حققتها إسرائيل في العامين الأخيرين لم تُحسم بعد. ومن المبكر – بل وربما غير المناسب أصلًا في منطقتنا – أن نعلّق آمالنا على "المسار الدبلوماسي". كما ينبغي تهدئة الحماسة تجاه "الحمّص في دمشق" والأصوات المتّزنة التي تصدر حاليًا عن الحكومة اللبنانية، فكلّ ذلك لا يزال جديدًا ومرحليًا للغاية.
إن الانتقال السريع والمفاجئ من أحاديث عن تناول "الحمّص في دمشق" إلى تقارير عن عمليات عسكرية إسرائيلية على مشارف العاصمة السورية يوضّح مدى سيولة الوضع، ليس فقط في العلاقات مع سوريا، بل أيضًا في باقي الساحات المشتعلة. السمة الأساسية المشتركة بين جميع هذه الساحات هي غياب الاستقرار الذي يتيح تنقّلًا سريعًا بين حالات متطرفة. لقد أفرزت الإنجازات الدراماتيكية التي حققتها إسرائيل واقعًا جديدًا، وفي بعض الساحات لا يزال هذا الواقع في طور التشكل. وعلى أي حال، النظام الجديد لم يترسّخ بعد.
التحدي في واقع كهذا هو الحفاظ على الإنجازات، وإفشال جهود العدو لتقويضها، واستغلالها لترسيخ قواعد اللعبة الجديدة. هذا الوضع يستنزف إلى أقصى حدّ قدرات الانتباه وإمكانيات منظومة الأمن والقيادة السياسية العليا، ويتطلب مرونة عالية وقدرة على الاستجابة السريعة، كما يضع على المحكّ الميل الطبيعي لتطوير روتين مستقر، وتخطيط منظم، وإجراءات مؤسسية. ومع ذلك، فإن هذه المرحلة حتمية في إطار الجهد لصياغة النظام الجديد. أما محاولة اختصار الطريق عبر تسويات مشبوهة أو اتفاقيات غير ناضجة فقد تكون باهظة الثمن.
في العالم، وكذلك في إسرائيل، سارع الجميع إلى تجاوز الأخبار عن الهجمات الوحشية ضد الدروز في سوريا التي نفذها مؤيدو النظام في دمشق. وقد شكّلت هذه الأحداث تجسيدًا للتحديات الداخلية المعقدة في هذه الدولة المنقسمة التي تسعى إسرائيل لإقامة علاقات معها. كما ذكّرتنا هذه الأحداث، ومعنا العالم أجمع، بماهية القاعدة الشعبية للحاكم الجديد المتأنّق، المتوقع أن يلقي كلمة الشهر المقبل على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
سارع الجميع إلى تجاوز الأخبار عن الهجمات الوحشية ضد الدروز في سوريا التي نفذها مؤيدو النظام.
حتى أولئك الذين يعتقدون أن أحمد الشرع قد استنفد مرحلة "الجهاد" في حياته وسلك طريق السياسة الرصينة والمتزنة، باتوا يدركون الآن طبيعة قاعدته القوية، وبالتالي حدود هامش المناورة الضيق الذي يملكه هذا الحاكم. ومن الصعب الافتراض أن الجماعة الجهادية التي تحيط به قد تخلّت عن رؤيتها بإقامة دولة شريعة سُنية متطرفة في منطقة الشام.
إن الوضع الصعب الذي تعيشه سوريا واعتمادها على الدعم الخارجي دفع قاعدتها الشعبية إلى الإقرار بضرورة منحه فرصة للعب اللعبة السياسية وإطلاق الشعارات التي يحب الغرب سماعها. لكن من الصعب تقدير مدة استمرار ذلك، وما هي الخطوط الحمراء لسلوكه داخل هذه اللعبة. ويرجو بعض مؤيدي هذا المسار أن تؤدي احتياجات سوريا الكبيرة إلى إجبار أنصار الجهاد على توسيع هامش الثقة الممنوح لـ أحمد الجولاني، بحيث يأتي الالتزام بالمصالح الواقعية من باب المصلحة، بعد أن كان في السابق مجرد وسيلة تكتيكية.
إلا أن السيناريو الأرجح هو أنه إذا تخلّى الجولاني تمامًا عن رؤية الدولة الإسلامية، فسوف يفقد دعم مؤيديه، وستنشأ حينها معارضة داخلية من صفوفهم تهدد بقاءه، سواء كحاكم أو حتى كقائد على الإطلاق. وعلى الأقل، سيحاول منع مثل هذا السيناريو من خلال مزيج من سياسة العصا والجزرة، إضافةً إلى الاستجابة بين الحين والآخر لنزعات الجهاد لدى أنصاره. هذا سيناريو يجب أن يوضع على طاولة النقاش في إطار صياغة أي تسويات محتملة مع سوريا.
لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يمنع ذلك إسرائيل من استغلال ضعف الحاكم السوري الحالي واستعداده لدفع ثمن مقابل الشرعية والموارد الخارجية. وفي الوقت نفسه، يضمن هذا السيناريو رؤية واقعية ومعايرة دقيقة للتوقعات من الجانب الإسرائيلي، بحيث لا تُهمَّش مصالح أخرى لإسرائيل تلقائيًا لمجرد الحماسة للتوصل إلى اتفاق.
لا ينبغي أن يمنع ذلك إسرائيل من استغلال ضعف الحاكم السوري الحالي واستعداده لدفع ثمن مقابل الشرعية.
قد تسهم التحركات العسكرية في توضيح الخطوط الحمراء لإسرائيل، كما يمكن أن تشكل بحد ذاتها أداة ضغط لدفع التسويات قُدمًا. وعلى أي حال، وفي ظل مكانة إسرائيل المتجددة كقوة إقليمية، وفي مواجهة طموحات تركيا في المنطقة، لا تستطيع إسرائيل التزام الصمت إزاء التغييرات في موازين القوى في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لها، كما لا يمكنها التنازل عن وجودها ونشاطها الأمني. فهذا ما سيحدد مكانتها ويضمن أمنها في الشرق الأوسط الجديد–القديم الذي نعيش فيه.
المحطة السياسية التالية في جدول أعمال نتنياهو: رحلته لإلقاء كلمة في نهاية الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يلتقي مجددًا مع ترامب لإجراء نقاش حول رؤيته لـ الشرق الأوسط الجديد.
- 1. هو رئيس معهد ميسغاف، شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بين عامي 2017–2021، وكان من مهندسي اتفاقيات أبراهام. وقبل ذلك، خدم لمدة 30 عامًا في جهاز الأمن العام (الشاباك)، وتولّى ثلاثة مناصب في الجيش الإسرائيلي: رئيس قسم الأمن السيبراني، ورئيس القسم القطري لإحباط الإرهاب والتجسس والبحث والسياسات، ورئيس المنطقة الجنوبية. وقد حصل على وسام تقدير للخدمة العامة من وزارة الدفاع الأمريكية.
- 2. مائير بن شبات، "شهر التحديات والإصرار"، معهد ميسغاف، 28 آب 2025. https://www.misgavins.org/ben-shabbat-the-month-of-challenges-and-determination/


