مخلص تنفيذي:
شكلت الحرب الهجينة نمطا من أنماط الحروب الحديثة التي تلجأ لها هياكل القوى الرسمية وغير الرسمية. وقد أدى هذا النمط إلى انبعاث ظاهرة الأسلحة الهجينة في ميدان الصراع السوري 2011-2024، لتلبية الحاجة الميدانية لها. وأنعشت الفصائل الثورية السورية قطاع الأسلحة النارية الهجينة، إذ وصلت إلى ذروتها 2017-2018، وطُورت عدّة أسلحة خلال هذه الفترة، مما انعكس إيجابياً على فاعليتها العسكرية على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي.
تحاول هذه الورقة، بعد دراسة أهم الأسلحة النارية الهجينة لدى الفصائل وتحليل مدخلات التهجين فيها، طرح عددٍ من التوصيات والمقترحات لتطوير القطاع في ظل الحاجة الملحة له، من خلال: تخصيص هيئة من إدارة التسليح لإدارة القطاع وحوكمته واستقطاب الخبرات والكفاءات التي عملت في هذا القطاع خلال سنوات الصراع (2011-2024) واستحداث قسم متخصص لدراسة التجارب في الدول التي شهدت حربًا هجينة، لاستفادة المعرفية من تلك التجارب وتطوير القطاع في سورية.
مقدمة:
شكل ميدان الصراع في سورية (2011-2024) مختبرًا له خصوصيته في إطار "الحرب الهجينة"، حيث أنتجت الحرب أسلحة هجينة، ولدّتها الحاجة الميدانية الملحة لها بهدف التكييف مع طبيعة الصراع والفواعل فيه، بالإضافة إلى شح الموارد والتسليح. الأمر الذي دفع الفصائل الثورية المسلحة في سورية لتطوير ترسانة من الأسلحة الهجينة. ومع عام 2017، بدأت ذروة عمليات التهجين، مما انعكس على تعزيز فاعلية وأداء الفصائل، سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي، في حالتي الدفاع والهجوم. كما استطاعت الفصائل تغيير هوية الأسلحة الوظيفية واستخدامها بما يتناسب مع احتياجها. وفي هذا السياق، تسعى هذه الورقة لاستعراض رؤية شاملة لظاهرة الأسلحة الهجينة لدى الفصائل الثورية السورية، وتحليل الدوافع الكامنة وراء انتشار هذا النوع من الأسلحة، وتقييم انعكاساتها على الأداء والفاعلية العسكرية، بالإضافة إلى تقديم جملة من التوصيات بهدف زيادة جودة الحوكمة وتطوير عملية إنتاج هذه الأسلحة.
تكمن أهمية العناية بتطوير قطاع الأسلحة الهجينة بالنظر إلى طبيعة تطور أجيال الحروب، حيث حلت أنماط الحروب الحديثة محل الحروب التقليدية التي كانت قائمة على مفهوم التهديد التماثلي، وذلك في ظل تحول هياكل القوى الرسمية وغير الرسمية إلى الحروب الجديدة، كالحرب بالوكالة والحروب الهجينة، ضمن عملية شملت الانتقال من مواجهة التهديد التماثلي إلى التهديد اللاتماثلي. وتتميز الحروب الحديثة، كما هو الحال الحرب الروسية-الأوكرانية والحرب الإسرائيلية-الفلسطينية في غزة، بالطبيعة الهجينة وأدواتها المبتكرة. لذلك من الضروري إدارة ظاهرة الأسلحة الهجينة في سورية بعناية، والعمل على تطوير هذا القطاع في ظل هذا النزوع لهياكل القوة للحرب الهجينة.
تناولت الورقة الأسلحة النارية الرشاشة التي تم تهجينها، دون التطرق إلى عمليات التصنيع الشاملة للمدافع وبنادق القنص الخفيفة والثقيلة. وبدلاً من ذلك، ركزت الدراسة على محور الابتكار المحلي لهذه الجزئية في قياس كفاءة الفصائل ومدى فاعلية هذه الأسلحة مقارنة بمحاور أخرى كالاستدامة والتأثير التكتيكي.
الأسلحة الهجينة في الصراع السوري الأسباب وإطار التكيف
تعرف الأسلحة الهجينة بأنها أسلحة مركبة مدمجة بين الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، ابتكرت في ظروف ميدانية غير وافرة الموارد بهدف زيادة فاعليتها العسكرية وتكييفها مع طبيعة الصراع. وتشمل هذه الأسلحة البنادق الخفيفة الرشاشة والمدافع المتوسطة والثقيلة. وبعد الانتصارات التي حققتها الفصائل الثورية في الفترة ما بين 2011-2014 والتي كانت تعتمد إلى تكتيك حرب العصابات، حاول النظام السوري جر الفصائل إلى معادلة الحرب النظامية المفتوحة، ولكون جيشه جيشاً تقليدياً مدرباً على الحروب التقليدية، فهو غير قادر على خوض حروب المدن بسبب طبيعة تسليحه الثقيلة، على عكس طبيعة الفصائل المرنة وسريعة الحركة. وقد استطاع النظام السوري إدخال الفصائل الثورية إلى المعارك التقليدية المفتوحة في ريف حلب الجنوبي والغوطة الشرقية1 بداية عام 2015. ومع عدم التكافؤ في القوة العسكرية وطبيعة التسلح، إضافة إلى تدخل الجيش الروسي، تراجعت قوات الفصائل الثورية وخسرت العديد من الأراضي التي كانت تسيطر عليها2.
شكل التراجع الميداني في أداء الفصائل الثورية فرصة لإجراء مراجعات في إستراتيجياتها القتالية وطبيعة الأدوات العسكرية التي تمتلكها، فقامت فصائل مثل "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" وبعض الفصائل الأخرى باستحداث مجموعات صغيرة محترفة، تعتمد على أسلحة هجينة، وتدريبات نوعية مختلطة، وتأهيل نفسي وبدني. وفي نهاية 2017، بلغت ذروة العمل على إنشاء هذه المجموعات المحترفة في ظل عملية التحول، إذ انتقلت الفصائل من مواجهة قوات النظام السوري والجيش الروسي والميليشيات التابعة لها بالأدوات التقليدية، إلى التعامل معها باستخدام أساليب وأدوات غير تقليدية.
وفي هذا الصدد شكلت "هيئة تحرير الشام" قوات "العصائب الحمراء"3 التي تعتبر اليد الضاربة لها، والتي تعتمد على أسلحة هجينة وتكتيكات غير تقليدية. كما تعتبر قوات "المغاوير" لدى "حركة أحرار الشام الإسلامية" وقوات "المغاوير" في "حركة التحرير والبناء" ومجموعة "ملحمة تكتيكال"4 من المجموعات المحترفة التي اعتمد تسليحها وتدريبها على التكتيكات غير التقليدية5.
وقد عبرت الفصائل الثورية مرحلة الحروب التقليدية بشكل شبه كامل، إلى الحرب الهجينة6 عقب الحملة التي شنها الجيش الروسي مع قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة له، على بلدتي الهبيط بريف إدلب الجنوبي وبلدة كفر نبودة بريف حماة الشمالي عام7 (7)2019. وقد تأخر الزحف الروسي باتجاه مناطق سيطرة الفصائل الثورية نتيجة تدخل قوات نخبوية من "العصائب الحمراء" و "قوات المغاوير" وبعض المجموعات الصغيرة من فصائل أخرى. فطورت الفصائل هذه المجموعات لوجستيًا، ووسعتها عددًا، وعززت مستوى جاهزيتها القتالية.
أهم أنواع الأسلحة الهجينة لدى الفصائل الثورية وفاعليتها:
طورت الفصائل الثورية صنوفا من الأسلحة التقليدية الفردية الخفيفة والمدافع المتوسطة والثقيلة، عبر تغيير هوية هذه الأسلحة الوظيفية من خلال دمج الأسلحة التقليدية بأدوات غير تقليدية ليكون السلاح مهجنًا مدمجًا، أو مهجنًا يستخدم بغير طريقته التقليدية ارتكازًا وتصويبًا ووظيفةً، مما يزيد من فاعلية السلاح على صعيد الفاعلية النارية ومرونة المناورة، وهو ما انعكس على أداء الفصائل على المستوى التكتيكي والإستراتيجي، إلى حد بلوغ الذروة الإستراتيجية في معركة ردع العدوان 2024.
| الصفات الفنية للسلاح | البندقية كلاشنكوف أي كاي 47 (KALASHNIKOV AK 47) | بندقية الاقتحام أي كاي 74 (KALASHNIKOV AK 74) | المدفع الرشاش بي كاي للأغراض العامة (PK) | المدفع الرشاش الثقيل دي أس إتش كاي 38/46 (DSHK 38/46) | المدفع الرشاش الثقيل كاي بي في فلاديميروف (KAP VLADINIROV) | المدفع الرشاش الثقيل م ط 23. (ZU-23MM-2B) |
|---|---|---|---|---|---|---|
| العيار | : 7,62-39 ملم. | 4,45 | 7,62 ملم. | 12,7 ملم -100 ملم. | : 14,50 ملم -114 ملم. | 23 ملم. |
| الأبعاد | الطول 86,8 سم. | الطول الإجمالي 93 سم. | الطول 116 سم. | الطول 158,5 سم. | الطول 200 سم. | 5.7 متر. |
| طول السبطانة | 41،4. | 65,5 سم. | 107 سم. | 135 سم. | - | - |
| الوزن | 4 كلغ. | 3,6 كلغ فارغة | 8,9 كلغ. | 35,5 كلغ. | 51 كلغ. | 950 كلغ. |
| المدى المؤثر للسلاح | 400 متر. | - | 1000 متر. | 2000 متر. | 2500 متر. | - |
| التشغيل | انتقائي بالغاز. | انتقائي بالغاز. | بدفع غازي. | بدفع غازي. | ارتدادي. | - |
| السرعة الابتدائية | 710 أمتار في الثانية. | 900 متر في الثانية | 825 متر في الثانية | 860 مترفي الثانية. | : 900 متر في الثانية | 2000 طلقة في الدقيقة. |
| السدادة | الأمامية قائمة مغطاة. | الأمامية قائمة مغطاة | الأمامية قائمة مع عروات | الأمامية: قائمة ذات عروات. | - | - |
| - | الخلفية مماسة. | مماسة. | - | رقيقة. | - | - |
| مخزن الذخيرة | علبة قابلة للنزع سعة 30 خرطوشة. | علبة من البلاستيك قابلة للنزع بسعة 40 خرطوشة | شريط ذخيرة سعة 50 أو 200 أو 250 خرطوشة | شريط مفصلي للذخيرة سعة 50 خرطوشة. | شريط معدني مفصلي للذخيرة سعة 100 خرطوشة. | - |
| المعدل النظري للرمي | 600 طلقة في الدقيقة. | 650 طلقة في الدقيقة | 650 طلقة في الدقيقة. | 540 إلى 600 طلقة في الدقيقة. | 600 طلقة في الدقيقة. | 2500 متر. |
| مدخلات عملية التهجين | عبر تحويل تصويبها من تصويب معدني إلى تصويب تلسكوبي، وإضافة ناظور ليلي ونهاري إسنادا لقوات المشاة المدافعة والمهاجمة. | عبر دمج أدوات وتحويلها من تصويب معدني إلى تصويب تلسكوبي وإضافة ناظور ليلي ونهاري إسنادا لقوات المشاة المدافعة والمهاجمة | أدوات مدمجة عبر إضافة تصويب تلسكوبي مزود برؤية ليلة نهارية، وإضافة لكاتم صوت وخاف للوميض للاستخدام الليلي، وتحوير طريقة الاستخدام من سلاح ارتكازي ومحمول آليا إلى سلاح محمول للأفراد المشاة، ويستعمل في حالات الدفاع والهجوم بغرض الإسناد والتغطية النارية، مع استخدام سبطانته لأسلحة القنص المصنعة محليا. | أدوات مدمجة من تصويب معدني إلى تصويب تلسكوبي، وإضافة الرؤية الليلة لها، كما تم تحوير طريقة التركيب من مدفع مقطور ومرتكز إلى مدفع محمول على العربات رباعية الدفع والدرجات النارية وحمل الأفراد له، وتبديل طريقة الاستعمال من مضاد طيران إلى مضاد أفراد مشاة وعربات مدرعة، وتم استعماله كإسناد ناري لقوات المشاة في حالة الدفاع والهجوم. | تحوير طريقة النقل من مدفع مقطور ومرتكز إلى مدفع محمول على العربات رباعية الدفع، وتبديل طريقة الاستعمال من مضاد طيران إلى مضاد أفراد مشاة وعربات مدرعة، وتم استعماله كإسناد ناري لقوات المشاة في حالة الدفاع والهجوم. | تحوير عملية النقل من سلاح مقطور ومرتكز أرضي إلى سلاح محمول على العربات رباعية الدفع، ومن سلاح مضاد للطائرات إلى استعمال سلاح متعدد الاستعمال ضد الأفراد المشاة والعرابات المدرعة وغير المدرعة، وتدمير الدشم والحصون، كما يستعمل للتمهيد والإسناد الناري في المساحات المغلقة والمفتوحة، في حالتي الدفاع والهجوم. |
الجدول (1) أهم أنواع الأسلحة النارية التي هجنتها الفصائل8
صورة توضح مدخلات عملية التهجين على الرشاش AK74.
صورة توضح التهجين عبر تغيير الهوية الوظيفية لمدفع 23 من خلال تغيير عملية الاستخدام من سلاح مقطور إلى سلاح محمول.
ومن خلال تحليل المعطيات الميدانية لفاعلية هذه الأسلحة الهجينة التي منحت المجموعات القتالية الميدانية مرونة المناورة والتحرك بالمساحات الحضرية والمفتوحة، وشكلت أداة فريدة في أيدي الفصائل على المستوى التكتيكي لحسم المعارك في حالتي الدفاع والهجوم، بالتحديد في المعارك التي خاضتها الفصائل الثورية ضد الروس عام 2019، وخلال معركة ردع العدوان9. كما أن هذه الأسلحة أظهرت قدرة الفصائل على التكيف مع الموارد المتاحة وبيئات الصراع غير التقليدية، وقدرة الابتكار المحلي الذي لجأت إليه الفصائل بسبب ضعف التسليح والدعم الخارجي10.
الشكل (1) رادار يوضح تقييما لفاعلية الأسلحة الهجينة عبر محددات متعددة.
تتوضح عملية تحليل البيانات في الرادار عبر المقارنة لعدد من المحددات. فمن خلال مقارنة عدد من العمليات الميدانية وتحليل فاعلية الأسلحة الهجينة، كانت فاعلية الابتكار المحلي هي الأعلى نصيباً، مما قلص الاعتماد على الدعم الخارجي لدى الفصائل، وجاءت فاعلية التأثير التكتيكي في الدرجة الثانية في عملية القياس والمقارنة أما عملية استدامة إنتاج الأسلحة الهجينة فقد كانت منخفضة بشكل ملحوظ.
التوصيات:
تشكل ظاهرة الأسلحة الهجينة في سياق الصراع السوري تحديات وفرص أمام الحكومة السورية، وتنقسم هذه التحديات إلى تحديات على المستوى الأمني ترتبط بمدى جودة حوكمة هذه الظاهرة وضبطها، وتحديات على مستوى التطوير والإنتاج لاستثمار هذه الأسلحة وإدخالها إلى ترسانة وزارة الدفاع والقوى الأمنية. وفي ظل انتشار الأسلحة الهجينة، نتيجة سهولة تصنيعها وبيعها والترويج لها ووجود مجاميع وقوى عسكرية شبه نظامية تمتلك بعضًا منها مثل المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون في السويداء ومجموعات أخرى في شمال شرق سورية، فإن ذلك يزيد من خطر اندلاع عمليات عنف ويشكل تهديدًا مستمرًا للأمن والاستقرار.
ربما زادت أهمية العناية بقطاع الأسلحة الهجينة بعد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة التقليدية التي كان يمتلكها الجيش السوري، بما في ذلك أسلحة الردع الصاروخي وأسلحة قوى الجو، إضافة إلى تدمير البنية التحتية العسكرية. ومع إثبات فاعلية الأسلحة الهجينة في الحروب الحديثة واعتمادها من قبل جيوش نظامية، توصي الورقة بتعزيز عمليات التصنيع والصيانة الميدانية لزيادة كفاءتها وفاعليتها. وينبغي أن تتم هذه العمليات ضمن آلية عمل يشرف عليها مدربون مختصون وخبراء في هذا المجال مع توفير الدعم اللوجستي الكافي لضمان استدامتها.
- أولا، يُقترح تخصيص هيئة ضمن إدارة التسليح التابعة لوزارة الدفاع للإشراف على توثيق أنواع وصنوف هذه الأسلحة الهجينة، بهدف تحسين جودة عمل الإدارة بهذا الخصوص وتوفير قاعدة بيانات لهذه الأسلحة. كما تشمل مهام الهيئة زيادة برامج تدريب المجموعات النخبوية التي تعتمد على الأسلحة الهجينة، مع الحفاظ على خصوصيتها داخل مرتبات وزارة الدفاع السورية، ورفع مستوى جاهزيتها البدنية والنفسية.
- ثانيا، يُقترح استقطاب الخبرات والكفاءات التي عملت في تصنيع وتعديل الأسلحة خلال أعوام الصراع 2011-2024، بهدف الاستفادة من الخبرة التراكمية التي امتلكوها ورفد الجهات المشرفة على عملية تطوير التسليح بهم، وتوفير فرص عمل درءاً لاستقطابهم من قبل جهات تعمل بمعايير غير قانونية.
- ثالثا، يُقترح استحداث قسم يعنى بدراسة ومتابعة الأسلحة الهجينة وتطورات هذا القطاع في التجارب الأخرى التي كان للأسلحة الهجينة دور بارز في مجرياتها، مثل "أوكرانيا – غزة – إيران" ودراستها بهدف الاستفادة من عمليات التطوير المستمرة ونقلها إلى سورية بعد ثبوت فاعليتها الميدانية.


