ملخص تنفيذي:
تحاول هذه الورقة إيضاح عمليات القتال النهرية، وأنماطها ومستوياتها وأبرز التحديات التي تواجه الوحدات العسكرية البرمائية، المتخصصة في عمليات القتال النهرية، وطبيعة القوى المشاركة وضرورة تنوعها.وتستعرض تجارب عمليات الدفاع والهجوم النهرية، في الصراعات العربية منذ خمسينات القرن الماضي إلى الصراعات النشطة في الوقت الراهن، سواء كان بين هياكل القوة الرسميين، أو بين هياكل قوى رسمية وفواعل ما دون الدول، بدءاً من عملية عبور قناة السويس 1973، إلى تجربة نهر جاسم في الحرب العراقية الإيرانية 1987، ومعركة نهر البارد في لبنان 2007، وتجربة القوات الامريكية وتنظيم داعش في نهري دجلة والفرات 2003-2019.
وتقدم قراءة لأهم التحديات الأمنية والبنيوية واللوجستية، لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية في العمليات النهرية، أمام المؤسسة العسكرية، كتحديات الحفاظ على أمن الدولة، والأمن المائي، والمشكلة البنيوية لدى الجيش السوري، والمعضلة اللوجستية في نقص التسليح والمراكب البرمائية.
وتحاول رصد أهم السيناريوهات المحتملة الحدوث، من الأطراف التي تتدفق عبرهم تهديدات نشطة، كالأوضاع الهجومية والدفاعية التي قد تتخذها قوات سورية الديمقراطية "قسد" في البيئة النهرية، كنظام الإغارة الليلي، والتسلل والعبور النهري، وسد الجسور والمنافذ النهرية، وزيادة نشاط تنظيم داعش في سورية والعراق، بالاستفادة من نهر الفرات.
كما طرحت حزمة من التوصيات، باستحداث لواء قتال نهري يتبع للقوى البحرية، تشيكل وحدات قتال برمائي تتبع للفرق العسكرية، وتزويدها بمعدات ومركبات برمائية، تعزيز الاستخبارات البشرية في البيئات النهرية، وتشكيل شرطة نهرية تتبع لوزارة الداخلية
المقدمة:
شكلت العمليات القتالية دفاعاً وهجوماً، في البيئات النهرية، عاملاً مهماً في حسم معارك وصراعات دولية، وقد شهدت الحروب والصراعات التي كانت الدول العربية طرفاً فيها أو مسرحاً لها، منذ خمسينيات القرن الماضي وصولاً إلى الصراعات النشطة الحالية، سواء تلك التي أطرافها فواعل دوليون، أو حروب هجينة أطرافها خليط من فواعل دوليين، وفواعل ما دون الدول، وقد كانت سورية إحدى ساحات هذه الصراعات.
تواجه البيئات النهرية في سورية، تهديدات نشطة على المستوى الأمني وعلى المستوى العسكري، مختلفة التدفق والفواعل، أمام الدولة السورية، وكذلك تحديات بنيوية على مستوى المؤسسة الدفاعية، في إطار بناء وتحديث الجيش السوري، حيث تفتقر المؤسسة العسكرية في سورية قوى متخصصة في القتال البرمائي في البيئة النهرية، وتواجه تحدياً في البنى التحتية والمعدات اللوجستية للعمليات النهرية، وإشكالية في صياغة عقيدة عسكرية جديدة، في القتال البحري والنهري، حيث تركز العقيدة العسكرية التي حملتها الفصائل خلال فترة الصراع على القتال غير التقليدي في المدن والمناطق البرية المفتوحة.
تشكل البيئة النهرية في سورية، مصدراً لتدفق التهديدات النشطة، إذ يشكل نهر الفرات الذي يعبر من ثلاث محافظات سورية بدخوله من الجانب التركي إلى حلب، ثم الرقة إلى دير الزور فالعراق، بطول 1000 كيلو مترٍ، مسرحاً للتهديدات الأمنية والعسكرية النشطة، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية "قسد" على الضفة الشرقية لنهر الفرات، ليشكل فاصلاً طبيعياً بين قوى الدولة السورية، وقوات قسد، وتشهد ضفاف نهر الفرات نشاطاً لخلايا تنظيم داعش في محافظة دير الزور.
نتيجة لهذه التهديدات النشطة والتحديات في البيئة النهرية السورية، يجب تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية في العمليات القتالية النهرية، للمؤسسة العسكرية السورية، لرفع مستواها العسكري في التعامل مع التهديدات التماثلية وغير التماثلية.
أولاً: أنماط العمليات النهرية وأبرز التحديات
تتنوع أنماط العمليات القتالية النهرية في الدفاع والهجوم، بحسب طبيعة الغرض من العملية النهرية، فغالباً ما تهدف إلى تسهيل الحركة المروية النهرية أو منعها، أو يكون الهدف متمركزاً على ضفاف النهر وليس على النهر نفسه، أو تهدف إلى إزالة عوائق وألغام، أو إلى تأمين خطوط الإمداد، أو قطع عمليات التهريب والاتجار بالبشر. تكون أنماط السيطرة النهرية للقوة العسكرية:
- السيطرة على ضفتي النهر، أو على ضفة واحدة، أو بلا سيطرة على أي ضفة،
- أو إنها تسيطر على النهر دون التحكم بجميع ضفافه، أو تسيطر على النهر وضفافه، أو بلا سيطرة لها على النهر ولا على ضفافه.
وتواجه العمليات النهرية العديد من التحديات والصعوبات، فقد لا تكون الأنهار صالحة للملاحة، بسبب طبيعة سرعة واستقرار جريان النهر، وأبعاد النهر العرضية ومدى عمق مياهه، والعيوب التي يمكن أن يسببها الغطاء النباتي على الأسطح المائية، وبقايا الجذوع والأشجار، والشباك والدوامات المائية، وكذلك السرعة المتوقعة للتيار المائي وجريان السفن والزوارق، وتأثير ذلك على سهولة استهدافها بالألغام والأجهزة المتفجرة.
غالباً ما تكون العمليات على الأنهار والقنوات المائية، مشتركة على مستوى التنسيق وخلط الوحدات القتالية المختلفة المهام براً وبحراً وجواً بمستوى تكتيكي منخفض، ولا تقتصر عمليات القتال النهرية على مجرى الأنهار والقنوات المائية، بل تتسع لتشمل الأراضي المحيطة بها، فتعمل القوات النهرية بدعم مباشر من القوى البرية والقوى الجوية، ويعتبر سلاح الطيران جزءاً مهماً من العمليات النهرية، إذ يوفر تحديات سريعة من الاستطلاع الجوي للقوى النهرية، ويقدم الغطاء والدعم الناري، وغالباً ما يكون سلاح الطيران عضوياً من بنية القوات النهرية التي عادة ما تملك مروحيات على منصات عائمة ومتحركة.
ثانياً: عمليات القتال النهرية في الحروب والصراعات العربية
تستعمل هياكل القوة الرسمية والفواعل العسكرية ما دون الدول الأنهار والقنوات المائية كمراكز إستراتيجية، وفواصل طبيعية للجبهات النارية، وذلك باتخاذ تضاريس البيئة النهرية كخطوط دفاعية أو هجومية طبيعية، أو مركز لانطلاق العمليات الهجومية، وقد استخدمت هياكل القوى الرسمية والفواعل العسكرية ما دون الدول الأنهار والقنوات المائية في الحروب والصراعات العربية لأغراض دفاعية وهجومية، مستفيدة من الطبيعة الجغرافية وتضاريس الأنهار والقنوات المائية، بشكل يتوافق مع القدرات العسكرية التي تمتلكها هياكل القوة التقليدية.
- "معركة العبور العظيم" 1973 في الصراع العربي- الإسرائيلي
استعمل الجيش المصري قناة السويس المائية، في حربه ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلية، التي كانت تحتل شبه جزيرة سيناء، وسميت العملية "العبور العظيم" إذ حققت نصراً كبيراً لصالح الجيش المصري، اعتمدت خطة عملية العبور العظيم، التي وضع أساسها الفريق عبد الكريم الشاذلي، على ثلاثة عوامل رئيسية، العامل الأول: ضربة جوية واسعة: نفذت 220 طائرة تابعة للقوى الجوية المصرية ضربات إلى الأهداف الإسرائيلية بعمق 30 كيلو متراً شرقي قناة السويس، استهدفت المطارات ومراكز القيادة والسيطرة، والدبابات والمدرعات المجنزرة والمدولبة، ومرابض المدفعية والأفراد المشاة. والعامل الثاني: صليتان من القصف المدفعي: بعد الضربة الجوية بخمس دقائق بدأت مرابض المدفعية بصلية أولى غزيرة، استهدفت خطوط الدفاع الإسرائيلية شرقي القناة، بهدف إدخال قوات المشاة وسلاح الهندسة المصري إلى الشاطئ الشرقي لإغلاق الأنابيب التي تضخ السائل المشتعل على سطح الماء، ثم صلية مدفعية ثانية استهدفت الأهداف العميقة للجيش الإسرائيلي، على خط بارليف. العامل الثالث جسور العبور: عبر خمس فرق مشاة من الجيش المصري القناة، مدعمة بجسور وسلاح هندسة لفتح ثغرات في السواتر الترابية، ولواء برمائي مكون من عشرين دبابة برمائية، وثمانين مركبة برمائية، لتبدأ بالتعامل مع الأهداف والقوات العسكرية. استطاع الجيش المصري من خلال هذه العملية كسر خطوط الدفاع والحصون لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتوغل بعمق 30 كيلومتراً من المناطق التي كانت تحتلها إسرائيل من الأراضي المصرية، واتخذ الجيش المصري أوضاع دفاع جديدة. وعلى إثر هذه العملية استعادت مصر فيما بعد سيادتها على جميع أراضيها1. - معركة نهر جاسم 1987 الحرب العراقية الإيرانية
حاولت إيران أواخر حربها مع العراق 1980-1988 السيطرة على مدينة البصرة الإستراتيجية جنوبي العراق، فوضع الجيش الإيراني خطة لعملية هجومية للسيطرة على المدينة، بهدف ربط البصرة بقواتها المتواجدة في مدينة الفاو، وللسيطرة على الموارد النفطية في المدينة. قرر الجيش الإيراني شن العملية في فصل الشتاء؛ للاستفادة من المناخ والأمطار التي تحد من فاعلية سلاح الجو والمدرعات العراقية.
بنى الجيش العراقي خطة عكسية لخطة الجيش الإيراني، وعزز من دفاعاته في مدينة البصرة، فقام سلاح الهندسة في الجيش العراقي بإنشاء حاجز مائي، عبر خلق بحيرة مائية اصطناعية، عرفت باسم "بحيرة الأسماك" تم استجرار المياه إلى البحيرة عن طريق قناة مائية عرفت باسم "نهر جاسم" بلغ حجم البحيرة الاصطناعية 30 كيلو متراً طولاً و1800 عرضاً. وقام سلاح الهندسة في الجيش العراقي، بكهربة مياه "بحيرة الأسماك" وبناء أسلاك شوكية، وحفر خنادق وملاجئ خلف البحيرة، وتم ربض سلاح المدفعية والدبابات في الخطوط الخلفية، مدعومة بقوات إسناد جوي مروحي. تمكن الجيش العراقي خلال هذه الخطة من إفشال المخطط الإيراني، وتكبيد الجيش الإيراني خسائر بالغة على الصعيد البشري والمعنوي، وكانت عملية نهر جاسم من العوامل التي ساهمت بإنهاء الحرب العراقية الإيرانية2. - معركة نهر البارد في لبنان 2007
شن الجيش اللبناني معركة على مخيم نهر البارد، وهو مخيم أقيم عام 1948 للاجئين فلسطينيين، شمال مدينة طرابلس، تبلغ مساحته 14 كيلوا متراً مربعاً، استهدفت العملية تنظيم "فتح الإسلام" في 14 يوليو 2007، استمرت المعركة ما يزيد على ثلاثة أشهر، بسبب تمترس التنظيم داخل المخيم وتحصينه بالأنفاق والملاجئ من قبل الفصائل الفلسطينية، وكذلك بسبب استخدام التنظيم نهر البارد للتسلل وعمليات التهريب.
كانت الخطة العملياتية للجيش اللبناني في المعركة، مشتركة بين قواه البرية والبحرية والجوية، حيث حشد الجيش فوجاً مجوقلاً طوق المخيم من محور كامل، وفوج مغاوير البحر من محور المخيم الشرقي حتى مجرى نهر البارد، واللواء الخامس من الجهة الجنوبية الذي سيطر نارياً على المخيم بالأسلحة الثقيلة، وزوارق بحرية طوقت المخيم من البحر، وشارك سلاح الجو بمروحيات قامت بمهام استطلاعية وشاركت بقصف بعض الأهداف، وتم تطوير قنبلة بوزن 400 كلغ بالشراكة بين سلاح الهندسة والقوى الجوية زودت بها بطن المروحيات، وشاركت الزوارق البحرية بقفل شاطئ البحر ونفذت رمايات وتمكنت من اعتقال متسللين عبر البحر، استطاع الجيش اللبناني باستغلاله المحور النهري حسم المعركة لصالحه، رغم الخسائر التي مني بها3. - نموذج نهري دجلة والفرات من الغزو الأمريكي إلى عهد تنظيم داعش 2003-2019
إبان الغزو الأمريكي للعراق 2003، استخدمت فصائل المقاومة العراقية نهري دجلة والفرات، كخطوط نقل وإمداد لوجستي، فحاولت القوات الأمريكية السيطرة على مجرى النهرين، فنشر الأسطول البحري الأمريكي سرباً واحداً مكوناً من 12 زورقاً و200 بحار في النهرين، لإدارة العمليات النهرية في العراق، وتركزت أعمال السرب في سد مدينة حديثة في الأنبار، لكن القوات الأمريكية لم تنجح في السيطرة والتحكم بمجرى النهرين، بالرغم من استخدامها طائرات مسيرة وقوات برية على ضفاف النهر، ويعود هذا الإخفاق إلى عدم وجود خطة شاملة للسيطرة على الأنهار والقنوات المائية في العراق4.
استخدم تنظيم داعش نهر دجلة في العراق، والفرات في سورية، حيث كان التنظيم يستخدم نهر دجلة 2016 أثناء معركة الموصل، كخط نقل وإمداد لجنوده وعتاده عبر زوارق صغيرة، من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، بعد تدمير التحالف الدولي الجسور الخمسة التي تربط ضفتي مدينة الموصل ببعضهما5. كما استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها في مناطق سيطرته على نهر الفرات في سورية، بعد تدمير التحالف الدولي 21 جسراً من أصل 26 جسراً يصل بين ضفتي الفرات في سورية6.
ثالثاً: المعضلات والتحديات أمام عملية تعزيز القدرات
ترتبط عملية تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية في العمليات النهرية بحزمة من المعضلات الأمنية والبنيوية المؤسسية واللوجستية، ومن جهة أخرى بتضاريس البيئة النهرية، فالمعضلة الأمنية تشترك في التأثير على نواحي الأمن الأخرى بشكل تلقائي، وتتجلى المعضلة البنيوية في نقص البنى المؤسسية المتخصصة في إدارة وتنفيذ عمليات الدفاع والهجوم النهرية، وكذلك يظهر لدينا معضلة نقص البنى التحتية ومستوى التسليح واللوجستيات البرمائية، ويمكننا تفنيد هذه المعضلات وفق الآتي:
- معضلة أمن الدولة: تشكل التهديدات المتدفقة من قوات سورية الديمقراطية، النشطة على الضفة الشرقية من نهر الفرات، تهديداً نشطاً لأمن الدولة السورية، على اعتبار أن ازدياد وتيرة هذه التهديدات، واكتناز القوة واستخدامها من قبل هذه القوى، مع وجود تيارات ذات نزعة انفصالية، يهدد بشكل مباشر أمن وحدة وبقاء سورية، تمتد التهديدات الأمنية النشطة على طول نهر الفرات في سورية، في نقاط توتر متفاعلة بدءاً من سد تشرين ومنطقة دير حافر في ريف مدينة حلب الشرقي، وصولاً إلى ضفاف النهر في مدينة دير الزور. حيث تمركزت قوات قسد في سد تشرين بريف مدينة منبج، باتخاذها أوضاع دفاعية مستفيدة من عدم قدرة القوات المهاجمة على استهدافها بأسلحة ثقيلة، تجنياً لتضرر بنيان السد ومنعاً لانهياره، تتلخص إستراتيجية قوات قسد الدفاعية في محور السد، في أربعة عوامل رئيسية: تغطية واستهداف المدرعات والتجمعات البشرية للقوة المهاجمة، بطائرة الدرون المسيرة عبر وحدة "بروسك" المتخصصة في مهام الاستطلاع والطائرات المسيرة، والاعتماد على القنص النهاري والليلي والحراري في المناطق المفتوحة، والإغارات الليلة على نقاط تمركز القوة المهاجمة، استخدام المدنيين كدروع في محور السد7. في دير الزور تشكل ضفتا نهر الفرات مسرحاً لعمليات استهدفت قوى الأمن الداخلي وقوى وزارة الدفاع السورية، وذلك على مستويين من الاستهداف: الأول، اشتباكات واستهداف متبادل بين قوى وزارة الدفاع وقوات قسد، على ضفتي النهر، والثاني، عمليات تفجير استهدفت قوى الأمن والدفاع عبر عربات مفخخة وعبوات ناسفة.
- معضلة الأمن المائي: يمثل الانخفاض المستمر في منسوب مياه نهر الفرات معضلة أمنية تواجه سورية على المستوى الإستراتيجي تؤثر تلقائياً على نواحي الأمن الأخرى، بسبب إنعكاس ذلك على الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن الاقتصادي لقطاع الزراعة الذي يعتمد على الري بمياه النهر، حيث انخفض مستوى المياه إلى 6 أمتار نتيجة لخفض الدفق المائي إلى 200 متر مكعب في الثانية من قبل الجانب التركي، خلافاً لاتفاقية 1987 الموقعة بين سورية وتركيا والتي تنص على كمية دفق 500 متر مكعب في الثانية، وهذا قد يشكل معضلة في العلاقات السورية التركية، في حال استمرار السياسة المائية لتركيا على هذا النحو، من مخالفة الاتفاقية الموقعة بين البلدين8.
- المعضلة البنيوية: تنبعث هذه المعضلة من عدم وجود تشكيل داخل المؤسسة العسكرية، متخصص في القتال البرمائي ذي البيئة النهرية، كجزء من القوى البحرية التابعة لوزارة الدفاع السورية، حيث تقتصر مهام القوى البحرية السورية، ما بعد عملية تشكيل الجيش السوري الجديد، على حماية السواحل البحرية والدفاع عن المياه الإقليمية السورية وعلى إجراء المناورات والمشاركة في عمليات إحباط محاولات تهريب أسلحة ومواد مخدرة واتجار البشر، فهذه المعضلة تشكل ثغرة في القدرة الدفاعية والهجومية في العمليات النهرية، إذ يشكل هذا النوع من العمليات القتالية محوراً هاماً في الدفاع عن المناطق الشرقية والوسطى، في الوقت الراهن في ظل التهديدات النشطة، وركيزة أساسية مستقبلاً في العمليات الهجومية المحتملة الحدوث على نهر الفرات الذي يعد فاصلاً طبيعياً بين مناطق سيطرة الحكومة السورية، ومناطق سيطرة قسد شرقي النهر، تتكامل هذه المشكلة البنيوية بشكل سلبي مع مشكلة نقص المعدات واللوجستيات القتالية البرمائية.
- المعضلة اللوجستية: تحتاج الفرق العسكرية التي تشغل مناطق ذات بيئات نهرية، إلى زيادة مستوى ونوعية التسليح، وترميم وحداتها القتالية، ورفدها بمركبات ومعدات برمائية تتلاءم مع البيئة القتالية في المنطقة، مثل الدبابات البرمائية والمدرعات المجنزرة والمدولبة البرمائية، مثل عربات BTR-70 وBTR-80 وBMP-3 التي كان تمتلكها سورية من أواخر الثمانيات من القرن الماضي، وزيادة عدد الزوارق البحرية الحربية والطوافات الهوائية، وكاسحات ألغام بحرية، وعدد الجسور العائمة الخفيفة والثقيلة، ورفد الفرق بكوادر كافية لتأهيل وتدريب قوى متخصصة في الدفاع والهجوم النهري9.
- معضلة التضاريس والمباني المأهولة: تواجه القوى العسكرية في عملية الدفاع والهجوم، إشكالية في تضاريس الأنهار، فعلى نهر الفرات تواجه القوات العسكرية في الاشتباكات مع قوات سورية الديمقراطية "قسد"، مشكلة في قرب المباني من ضفاف النهر في دير الزور، فطبيعة التوزع العمراني في المدينة المتمركز على ضفتي النهر يمثل تهديداً يطال المدنيين في المباني المأهولة، جراء عمليات التبادل الناري، وكذلك نتيجة وجود مناطق ذات تضاريس تشكل عامل ضعف في المنطقة إزاء العبور والاختراق العسكري عن طريق الأنهار والقنوات المائية فعلى سبيل المثال تضيق المسافة وتقترب ضفتا نهر الفرات لتصل في بعض المناطق إلى أقل من 200 متراً10.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة في الأوضاع الدفاعية والهجومية على نهر الفرات:
تُعد التهديدات الأمنية النشطة على نهر الفرات، تهديدات قابلة للتوسع والنمو، فالتهديدات التي تتدفق من قوات سورية الديمقراطية "قسد" قابلة لذلك في حال توفر بيئة داخلية مناسبة، كتعثر تطبيق اتفاقية العاشر من آذار الموقعة مع الحكومة السورية أو زيادة التوتر بين الطرفين مما قد يؤدي إلى تطور المشهد الأمني والعسكري، فبناء على هذه الفرضية المحتملة الحدوث، من الممكن أن تتخذ قوات قسد سيناريوهات دفاعية أو هجومية على ضفتي النهر الفاصل بين مناطق سيطرتها وسيطرة الحكومة السورية.
أ. أنماط الأوضاع الهجومية والدفاعية لقوات سورية الديمقراطية "قسد" المحتملة في البيئة النهرية:
- الاعتماد على نظام إغارات عسكرية: من المحتمل تسيير قوات قسد إغارات عسكرية، عبر نهر الفرات تستهدف نقاط التمركز لقوى وزارة الدفاع السورية، بحيث تكون هذه الإغارات سريعة وخاطفة ضمن العمليات النهرية وكذلك تنفيذ إغارات ليلية، وستهدف هذه العمليات إلى تدمير مراكز القوات الأمنية والعسكرية، تحييد أفراد، الحصول على وثائق وأسرار، أخذ أسرى أو تحرير أسرى، السيطرة على نقاط معينة ومراكز استراتيجية، تشتيت أنظار القوى الأمنية والعسكرية، استدراج القوات إلى مناطق معينة.
- التسلل والعبور النهري: تسلل سرايا ومجموعات عسكرية صغيرة عبر النهر، بهدف تحييد أهداف معينة، أو اختراق المناطق وقطع طرق الإمداد والنقل العسكري، بحيث تؤدي إلى إرباك وتشتيت القوات العسكرية، ومن المحتمل أن تكون عمليات التسلل من المناطق الرخوة، التي يضيق عندها مجرى النهر عرضاً إلى أقل من 200 متر، وقد تستخدم في عمليات التسلل طوافات هوائية وجسور عسكرية مؤقتة.
- المشاغلة النارية لأكثر من محور: من المحتمل أن تستخدم إستراتيجية المشاغلة النارية، في أكثر من محور ونقاط، وتهدف هذه الإستراتيجية لاستدراج القوات إلى مناطق معينة، ومشاغلتها لتسهيل عملية دخول وتسلل قواتها إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، وبهدف تشتت قوى الدعم والاسناد وعدم تمركز القوة المدافعة ضمن محور معين.
- الاعتماد على عمليات التفجير والتفخيخ: من المرجح أن تعتمد قوات سورية الديمقراطية "قسد"، على المسيرات الانتحارية، والعربات المفخخة، باستهداف التجمعات والأهداف العسكرية، كأسلوب هجين غير تقليدي في عملية الهجوم في البيئة النهرية، أو تمهيداً لها.
- سد الجسور وتلغيم السطح المائي: محاولة قوات سورية الديمقراطية "قسد" سد المنافذ والمعابر المائية، كنمط من الأوضاع الدفاعية المحتملة التنفيذ، ونشر ألغام بحرية على سطح الماء، بهدف إعاقة القوات من العبور والتقدم إلى مناطق سيطرتها، ولزيادة تحكمها في المناطق التي تسيطر عليها نارياً.
ب. أدوار خلايا تنظيم داعش المتوقعة:
- زيادة النشاط الأمني: تصعيد نشاط خلاياه الأمنية والعسكرية، عبر تكثيف عمليات استهداف قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع، بالاستفادة من تضاريس البيئة النهرية، وعن طريق التمويه والتخفي ومرونة الحركة والانتقال بين مناطق السيطرة المختلفة على ضفتي النهر.
- النقل والتهريب عبر النهر: يمكن لخلايا تنظيم داعش توسيع نشاطها باستخدام نهر الفرات، كخط للنقل والتهريب بين ضفتي النهر على المستوى الداخلي لسورية، واستخدامه لنقل وتهريب الأسلحة والأفراد، بين سورية والعراق على المستوى الخارجي، حيث ينتهي مسار نهر الفرات في مدينة البوكمال من جهة سورية، ليبدأ في مدينة القائم من جهة العراق، مع عدم وجود رقابة فعلية على الحركة النهرية بين البلدين.
خامساً: توصيات ومقترحات لتعزيز العمليات النهرية دفاعاً وهجوماً
ستزداد أهمية تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية، في العمليات العسكرية النهرية، مع ازدياد التهديدات النشطة في البيئات النهرية؛ لذلك تزداد ضرورة بناء الجيش السوري لقدرات تقليدية وغير تقليدية مستدامة، قادرة على دعم العمليات العسكرية الميدانية النهرية، للتعامل مع التهديدات التقليدية وغير التقليدية، ضمن إستراتيجية شاملة لاكتناز القوة إزاء التهديد التماثلي واللاتماثلي.
من المهم استحداث لواء قوى نهرية، ضمن بنية القوى البحرية السورية التابعة لوزارة الدفاع السورية، يزود هذا اللواء القوى النهرية بمعدات مركبات نهرية، تشمل زوارق إنزال خفيفة، وزوارق إنزال متعددة الأغراض، وزوارق إنزال دبابات ومركبات، قوارب دعم سريع، زوارق نهرية مدرعة دورية، وقوارب كاسحة ألغام مائية، كما تزود عضوياً بطيران استطلاع مسير، ومروحيات قتالية مزودة بعوامات هوائية.
تخصيص وحدات قتال برمائية للعمليات النهرية، تتبع لكل فرقة عسكرية تضم بيئات نهرية في مناطق نفوذها الجغرافية تخضع هذه الوحدات لبرنامج تدريبي، يتضمن تكتيكات القتال البرمائي، وفنيات الصعود والنزول من القوارب، والإجراءات المتخذة على متن السفن والزوارق، وتأمين المراقبة الأمنية في البيئة النهرية، وطريقة قراءة المجاري المائية والسواحل، وحماية الزوارق والسفن، والتزود بالأسلحة والمركبات البرمائية، كالدبابات والعربات المجنزرة والمدولبة البرمائية. وتدرج سرية استطلاع برمائية، ضمن فوج الاستطلاع في كل فرقة عسكرية تحاذي بيئة نهرية، مزودة بمعدات الرؤية المختلفة نهارية وليلة وحرارية، وطائرات دورن لاستكشاف واستطلاع محور العمل الميداني.
كما يجب تعزيز دور الاستخبارات البشرية والعسكرية، بحيث يتم زيادة التنسيق مع المجتمع المحلي في البيئات النهرية والساحلية، بربط المصادر المحلية بالمحلل الاستخباراتي بشكل مباشر، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة النشاط ذي الطابع التهديدي في هذه البيئة بشكل مباشر ومستدام، ولدعم العمليات القتالية الميدانية. ومن المهم أيضاً استحداث مديرية للشرطة النهرية، تتبع مؤسسياً وزارة الداخلية، تشمل مهامها مكافحة عمليات التهريب، ومراقبة وحماية الضفاف النهرية من التجاوزات والصيد النهري غير المنظم، والمشاركة في عملية إنقاذ الغرقى، وتسيير دوريات نهرية بحسب الحاجة والظروف البيئة النهرية.
كما إن نمط العمليات الميدانية النهرية، يحتاج إلى عمل مختلط على المستوى التكتيكي بين مختلف هياكل القوى، فمن الضروري إنشاء قاعدة بيانات موحدة لجمع وتحليل مختلف التهديدات، التي تواجه الدولة في البيئات النهرية تديرها وتشرف عليها مديرية المخابرات العامة. ويحب تعزيز العلاقات الثنائية بين سورية وتركيا وإيجاد حلول سريعة لقضية مخصصات المياه السورية من نهر الفرات، وفقاً للاتفاقيات القانونية بين البلدين.


