شهد عام 2020 نقطة تحول فارقة على البيئة السورية، حيث بدأت تظهر ملامح الجفاف بشكل فعلي على امتداد الجغرافية السورية وبنسب متفاوتة، وكان للساحل السوري نصيب من هذا الجفاف، إذ تأخرت أمطاره عام 2020 إلى ما بعد تشرين الأول. وازدادت نسب الجفاف في البلاد بسبب الحرائق المتتالية التي امتدت على مدار 5 سنوات متتالية (من نهاية عام 2019 حتى العام الحالي 2025)، في فترات متباعدة — في صيف كل سنة من هذه السنوات.
وقد بلغت نسبة الأراضي المحروقة عامي 2019 و2020، 11 ألف و500 هكتار، 60% منها أراضٍ حراجية، و4% أراضٍ زراعية1. وتراجعت مساحة الأراضي المحروقة عام 2021 لتصل إلى 9107 هكتار، ثم استمرت بالانخفاض عام 2022 إلى 1816 هكتار2.
وفي عام 2023 عادت نسبة الأراضي المحروقة للارتفاع إلى 2800 هكتار، وفي عام 2024 وصلت إلى 13 ألف هكتار، كما بلغت عام 2025، 16 ألف هكتار3.
لا توجد إحصائيات بعد عام 2020 عن نسبة مساحة الأراضي الزراعية المحروقة من كامل مساحة الأراضي المحترقة.
تساهم الزراعة في سوريا بأكثر من 19% من الناتج الإجمالي المحلي في البلاد، ويعمل بها ربع السكان في سوريا4، بعمالة وصلت إلى 900 ألف عامل، منهم 59.183 ألف في الساحل السوري5. وقد تأثر آلاف الأشخاص من جراء الحرائق الأخيرة في الساحل السوري6. وجاء هذا وفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في 13 تموز/يوليو 2025، الذي ذكر تأثر أكثر من 14,000 شخص بالحرائق في ريف اللاذقية الشمالي.
تجيب هذه الورقة على السؤال: كيف أثرت الحرائق في الساحل السوري على الأمن الغذائي للناس في مناطقهم وفي المناطق الأخرى؟ وهل سيتمكن الناس من الحصول على غذاء دائم يتحقق معه الأمن الغذائي بعد هذه الحرائق والخسائر الكبيرة؟
فقدان الغذاء السوري
في بدايات سنة 2025، نشر برنامج الغذاء العالمي إحصائية تقول إن 12.9 مليون شخص في سوريا يعانون من نقص الغذاء7. وذلك بسبب مجموعة من العوامل المعقدة والمترابطة، منها النزوح والهجرة والجفاف والحرائق المتكررة.
وقد صدرت هذه الإحصائية قبل أن تحترق الأشجار الحراجية والأراضي الزراعية في الساحل السوري، الذي يعتبر أحد مخازن الزراعة السورية. وقد أشارت ماربين وردة، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في سوريا، في تصريح لـ(DW) العربية: "هناك مساحات كبيرة مزروعة بالخضار الطازجة الهامة للبلاد أُهلكت وأُتلفت بسبب الحرائق، وبالتالي هذا يضعنا أمام أزمة كبيرة في ارتفاع أسعارها، وخصوصًا تلك التي ستصل إلى المدن الكبرى كدمشق وحلب. كما فقد الكثير من المزارعين حصادهم وقدرتهم على الإنتاج، وهذا ما سيشكل ضربة كبيرة للأمن الغذائي السوري".
وأضافت أن 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وخصوصًا بعد حرائق الساحل السوري. وأشارت إلى أن العوامل التي تساهم في انعدام الأمن الغذائي عند غالبية السكان، وخصوصًا الفقراء منهم، هي عوامل مترابطة مع بعضها، منها الجفاف الناجم عن التغيرات المناخية الذي يضرب البلاد، إذ لم يشهد ربيع البلاد المطر الكافي، ما أدى لخسارة السوريين 75% من موسم القمح الذي يغذي 16 مليون نسمة بالخبز، ثم أتت الحرائق على ما تبقى من خيرات البلاد8.
ظهر تأثير ذلك على الواقع الغذائي جليًا وواضحًا بارتفاع أسعار الخضروات والفواكه على امتداد الجغرافية السورية بعد موجات الحرائق المتكررة التي طالت الأراضي الزراعية، إذ حصل ارتفاع كبير ملحوظ في أسعار السلع الموسمية التي تشكل سلعًا أولية ضرورية للأسر السورية.
ويشرح في هذا السياق الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد كيفية حساب الأمن الغذائي للفرد بالمعادلة التالية: "كمية الغذاء المتاحة = مجموع إنتاج المحاصيل + المخزون + الاستيراد – الصادرات – الفاقد"، ويكون: "نصيب الفرد = كمية الغذاء المتاحة ÷ عدد السكان".
وأوضح الدكتور علي محمد أن هناك دراسات أخرى لطريقة حساب نصيب الفرد من سلاسل الغذاء تتمثل بحساب السعرات الحرارية اليومية المتوفرة للفرد، إذ توصي الدراسات بأن يكون الحد الأدنى لنصيب الفرد: 2100 سعرة حرارية.
وهناك العديد من التساؤلات التي يجب طرحها حول مدى تحقق الأمن الغذائي للفرد، ترتبط بقدرة دخل الفرد على تغطية تكلفة متطلباته الغذائية، ومدى توفر الغذاء في الأسواق القريبة، وإمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية كونها مصدر الغذاء الأولي، وكذلك عن مقدار توفر الغذاء بشكل دائم.
تأثير الحرائق على الإنتاج الزراعي
يساهم الساحل السوري بنسبة كبيرة من إنتاج البلاد من الحمضيات والخضار والفواكه وزيت الزيتون. وقد أتت الحرائق على حوالي مليون شجرة زيتون، مما يعني خسارة 10% من الإنتاج المحلي للزيت و10% من إنتاج الزيتون9. كذلك التهمت الحرائق 200 ألف شجرة حمضيات، تشكل 2% من إنتاج الحمضيات في سورية10.
في ظل هذه المعطيات، يتضح حديث مسؤولة برنامج الغذاء في سوريا، بأن الناس لن تقوى على الشراء في ظل ارتفاع الأسعار الذي سنشهده قريباً للخضار والفواكه والزيت، علاوة على أن الفلاح قد فقد دخله أيضًا.
دعم الزراعة لإعادة الأمن الغذائي
وضع برنامج الأغذية العالمي خطة مدتها 3 سنوات من عام 2025 حتى عام 2027، لتعافي القطاع الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي في سوريا، تهدف للوصول إلى 9.8 مليون شخص محتاج في الأرياف. حيث تمكن خطة الفاو من إعادة تأهيل سبل العيش للفلاحين من خلال الأنشطة المرتبطة بترميم شبكات الري، وتأهيل البنى التحتية، واستخدام أدوات عالية لإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية11.
إضافة إلى ذلك، تحتاج الحالة السورية إلى عمل تشاركي بين المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية، على صعيد جبر الضرر للناس التي فقدت كل ما تملك12. وكذلك على صعيد رفع الوعي ونشر الأفكار الحديثة المتعلقة بأهمية الزراعات المقاومة للتغيرات المناخية، والزراعات المستدامة، والأهم من ذلك هو إنشاء برامج تدريبية للفلاحين. وهذا ما يتماشى مع ضرورة مستعجلة لإصلاح البنى التحتية الزراعية13.