ISRAELI SECTARIAN PROPAGANDA DURING THE OCTOBER, 1973, WAR
اقرأ النص باللغة الأصلية | Author: Nikolas Van Dam
مقدمة سياقية للمترجم
على الرغم من أن هذه المادة تعود إلى عام 1973، وتتناول الدعاية الطائفية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر، إلا أنها تحمل أهمية بالغة في فهم الديناميكيات الحالية في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بمحافظة السويداء السورية وموقف إسرائيل تجاه الطائفة الدرزية. فالمادة تكشف عن استراتيجيات الدعاية التي استخدمتها إسرائيل آنذاك لزرع الانقسام داخل المجتمع السوري، مستغلة الحساسيات الطائفية، وخاصة تجاه الدروز.
تكتسب هذه الرؤى التاريخية أهمية مضاعفة في سياق ما تشهده السويداء اليوم من توترات وصراعات متواصلة. فهي تسلط الضوء على الادعاءات الإسرائيلية المتكررة بحماية الدروز، سواء داخل إسرائيل أو في سوريا، والتي غالبًا ما تُوظَّف ضمن خطاب سياسي يخدم أهدافًا استراتيجية محددة، وعليه فإن قراءة هذه المادة التاريخية يتيح فهمًا أعمق لهذه الادِّعاءات، ويكشف كيف يمكن استثمار الدعاية الطائفية في تشكيل الرأي العام والتأثير على مجريات الأحداث، ما يجعلها أداة مساعدة في قراءة المشهد الراهن في السويداء ومحيطها الملتهب.
الدعاية الطائفية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973
كلمات مفتاحية
الدعاية الإسرائيلية - الإذاعات العربية - الحرب النفسية - الطائفية في سوريا - حرب أكتوبر 1973 - العلويون في الجيش السوري - الدروز في إسرائيل - الإعلام الموجه - الصراع العربي الإسرائيلي - التلاعب الطائفي
ينسحب ذلك أيضًا عند تناول الوضع السياسي في سوريا، فقد أكدت إذاعة إسرائيل منذ استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1968، على الموقع القوي للضباط العلويين في القوات المسلحة السورية، وكذلك على وجود خلافات -سواء كانت مفترضة أو حقيقية- بين ضباط من طوائف دينية مختلفة.
في مجال العلاقات بين الدول العربية، بالغت الإذاعات الإسرائيلية كثيرًا في التركيز على الخلافات -الحقيقية أو المفترضة- بين الأنظمة المختلفة، فخلال حرب أكتوبر 1973 على سبيل المثال، ركزت الإذاعات الإسرائيلية بشكل خاص على الخلافات التي زُعم وجودها بين الأنظمة العربية التي أرسلت وحدات مسلحة إلى جبهة سوريا-إسرائيل في مرتفعات الجولان، وقد نسب معلّقو الإذاعة الإسرائيلية إلى تلك الخلافات إلى دوافع سياسية، تجلّت – بحسب زعمهم – في طريقة تموضع الوحدات العسكرية غير السورية في المنطقة.
وتأسيسًا على هذه المزاعم، شدّد معلّق إذاعة الجيش الإسرائيلي، اللواء حاييم هيرتسوغ على ما وصفه بالتوتر القائم بين الوحدات العسكرية السورية والعراقية المشاركة في الحرب، موضحًا أن خلافات كانت قائمة منذ سنوات بين نظامي البعث المتنافسين في كلٍّ من سوريا والعراق، وعليه قال هيرتسوغ إن الوحدات العسكرية العراقية لم تُنشر بالقرب من دمشق، بل على العكس تمركزت بعيدًا عن العاصمة السورية في القطاع الجنوبي من الجبهة مع إسرائيل. انطبق الأمر نفسه – بحسب هرتسوغ – على الوحدات المدرعة الأردنية التي أرسلها الملك حسين إلى سوريا خلال حرب تشرين، رغم أنها كانت قد اشتبكت مع القوات في أيلول/سبتمبر 1970، عندما دخلت سوريا الأراضي الأردنية لدعم الفدائيين الفلسطينيين.
أشار هيرتسوغ أيضًا أن القادة العسكريين السوريين لم يثقوا حتى ببعض وحداتهم المسلحة الخاصة
لكن على أرض الواقع، فقد كانت الوحدات العراقية متمركزة أيضًا قرب دمشق، وشاركت في المعارك التي الدفاعية عن المواقع السورية في جبل الشيخ (جبال الحرمون) التي أعاد الجيش السوري السيطرة عليها بعد وقت قصير من بداية حرب أكتوبر. ومع ذلك، فقد اشتكت مصادر موالية للعراق لاحقًا من صعوبات بسبب ضعف الاتصالات أحيانًا وسوئها بين الوحدات العسكرية العراقية والسورية المتعاونة ومن صعوبات خلال القتال في تلك النقطة ومناطق أخرى من الجبهة، أما بالنسبة للوحدات المدرعة الأردنية، فكان من المنطقي أن تُشارك في المعارك ضمن القطاع الجنوبي من الجبهة السورية-الإسرائيلية، لأنها دخلت إلى سوريا من جهة الجنوب.أشار هيرتسوغ أيضًا أن القادة العسكريين السوريين لم يثقوا حتى ببعض وحداتهم المسلحة الخاصة، حيث قال إن الإسرائيليين اعترضوا في نهاية أيلول/سبتمبر 1973 أمرًا صادرًا عن قيادة الجيش السوري يأمر اللواء المدرع 47 المتمركز في حمص، بالتوجّه إلى الجبهة مع إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه منعه من التخييم في دمشق، ففي واقع الأمر كانت الترتيب الناظم للعمل منذ زمن يقضي بتمركز الوحدات الموثوقة بالقرب من العاصمة، في حين تُنشر الوحدات غير الموثوقة على الجبهة مع إسرائيل أو في مناطق نائية إلى الشمال.
لا توجد بيانات دقيقة أو موثوقة تحدد مدى انتشار استماع الجماهير العربية للبث الإذاعي الإسرائيلي الناطق بالعربية، مع ذلك في أوقات الأزمات، يبدو أن هناك رغبة خاصة في مقارنة محتوى الأخبار العربي لإذاعة إسرائيل مع محتوى الأخبار في إذاعات الدول العربية، التي غالبًا ما كانت ذات جودة ضعيفة نسبيًا.
إنّ نيّتي أن أتناول بإيجاز حملةَ الدعاية الطائفية الإسرائيلية خلال حرب تشرين عام 1973، التي وُجّهت، على وجه الخصوص ضدّ سوريا. وقد هدفت هذه الحملة بوضوح إلى زرع الانقسام في لحظة أزمة داخل صفوف الطرف الخصم، وذلك عبر تأجيج الفتن سواء الكامنة أو الظاهرة، بين أبناء الطوائف الدينية المختلفة. فلقد زعم الإسرائيليون، في بثّهم الإذاعي باللغة العربية، أنّ سلاح الجوّ السوري لم يتمكّن من أداء مهامه كما ينبغي، بل أصيب جزئيًا بالشلل في عملياته، وذلك – بحسب ادّعائهم – نتيجة توتّرات طائفية بين قائده السنّي، ناجي جميل، والرئيس السوري العلوي حافظ الأسد القائد الأعلى للقوات المسلحة. لا يُعرف إلى أيّ مدى احتوت هذه الادعاءات على شيء من الحقيقة، أو أثّرت في معنويات السوريين، لكنّ المعروف أنّ سلاح الجوّ السوري قد قاتل بكفاءة نسبيّة خلال حرب تشرين.
دفعَ تحديث المجتمع الدرزي في إسرائيل، وتعرّضُه لتأثير الإعلام العربي، كثيرًا من أبنائه إلى إدراك تخلفهم النسبي ومكانتهم الأدنى مقارنةً باليهود الإسرائيليين، فلم يقبلْهم اليهود كـ نظراء، ولم يثقْ بهم العرب، فوقعوا في مأزق مزدوج.
أذاعت "راديو إسرائيل" في 20 تشرين الأول 1973 خبرًا زعمت فيه – بشكل كاذب على الأرجح – أنّ الرئيس السوري أمر بإعدام العقيد الدرزي رفيق حلاوة، بتهمة "إهمال الواجب". وقد تسبّب هذا الخبر، بحسب ما ظهر لاحقًا من ردود الفعل العربية، في إثارة توتر وشكوك داخل الصف السورينص الخبر: نُفّذ اليوم حكمُ الإعدام بحقّ العقيد رفيق حلاوة، قائد اللواء 68 مشاة في الجيش السوري، وذلك بأمرٍ مباشر من الرئيس السوري الفريق حافظ الأسد. وكان العقيد حلاوة متمركزًا في القطاع الشمالي من الجبهة السورية، وهو القطاع الذي اخترقت فيه قوات جيش الدفاع الإسرائيلي خلال تقدمها في محور القنيطرة – دمشق. ويُذكر أن العقيد حلاوة ينتمي إلى الطائفة الدرزية.
لم يمرّ البثّ الإسرائيلي الذي ادّعى تنفيذ حكم الإعدام بحقّ العقيد حلاوة مرور الكرام على السوريين؛ فبحسب ما أظهرته ردود الفعل في وسائل الإعلام السورية، يُحتمل أن هذا الخبر أثار مشاعر من الشك وانعدام الثقة بين أبناء الطوائف الدينية المختلفة في سوريا، ولا سيما تجاه أبناء الطائفة الدرزية.
جاء أحد أوائل الردود العلنية السورية في اليوم التالي، 21 تشرين الأول 1973، في افتتاحية صحيفة "البعث" الرسمية، وجاء فيها:
لقد استخدم العدو أحطّ الأساليب، وأحقر أنواع الدعاية، وأسوأ الشائعات ضد مسيرة شعبنا؛ هذه الأساليب ليست بجديدة علينا، ولا غريبة عن نهج العدو، فإثارة النعرات الطائفية التي دفناها في مزابل التاريخ بفضل وعي شعبنا وتماسكه في سبيل تحقيق أهدافه القومية؛ وتحفيز النزعات الإقليمية التي تجاوزها شعبنا منذ أن حمل السلاح لطرد الغزاة الأجانب من أرضه، ونيل حريته واستقلاله الوطني، وقدَّم في سبيل ذلك آلاف الشهداء على مذابح الوطن؛ كل هذه الأساليب التي يركّز عليها العدو بعناية، ويطبقها اليوم في وسائله الإعلامية، لا تعني لنا سوى شيء واحد: أنها دليل على فشله في ميادين القتال، وعجزه عن تحقيق النصر على مقاتلينا. وتؤكد لنا أيضًا جهل العدو بطبيعة شعبنا، وعجزه عن فهم حقيقة تماسك جبهتنا الداخلية خلف قواتنا المسلحة، التي تقاتل العدو باسم تاريخنا وكرامتنا، وتحقق لنا انتصارًا تلو الآخر.
في اليوم نفسه، ردّت إذاعة إسرائيل على افتتاحية صحيفة البعث من خلال بث شائعات إضافية حول الانقسامات الطائفية المزعومة في سوريا، وقالت: تبدو [افتتاحية صحيفة البعث] وكأنها ردّ على الأخبار التي تتحدث عن أن نظام البعث قد اتخذ إجراءات انتقامية ضد قرى درزية تقع على الطريق بين دمشق والقنيطرة، أو أن أحكامًا بالإعدام قد نُفّذت في حق ضباط دروز وأفراد من أقليات أخرى. لقد أصابت هذه الاتهامات نقطة حساسة للغاية. كما أن بثّ مثل هذه المزاعم كان أسهل بكثير من محاولة وقف تداول الشائعات التي نشأت نتيجة لها.
في وقتٍ لاحق من يوم 21 تشرين الأول/أكتوبر 1973، بثّت إذاعة إسرائيل مضمون مقابلة زُعم أنّ أحد مراسليها أجراها مع بعض سكان القرى الدرزية في الجولان، والذين قيل إنهم كانوا يعرفون العقيد رفيق حلاوة شخصيًا، وقد أفادوا بأن حلاوة كان موضع احترام كبير في أوساط أبناء طائفته، وأنه كان عضوًا بارزًا في حزب البعث، وأنه كان في الأصل مقرّبًا من الرئيس حافظ الأسد، ومع ذلك نسب هؤلاء مقتل حلاوة إلى كونه درزيًّا: أصبح حلاوة ضحية، لو كان رفيق حلاوة ضابطًا مسلمًا أو علويًا، لما ألحق به أحد أي ضرر، لكن بما أنه أُعدم تحاول السلطات السورية تحميل الدروز مسؤولية الهزيمة العسكرية، إذ تقول إنهم جلبوا الجيش الإسرائيلي إلى مشارف دمشق.
هذا النوع من التقارير حاول إثارة الخلاف بين الدروز والطوائف الأخرى في القوات المسلحة السورية. ألم يكن الدروز في إسرائيل المجموعة العربية الوحيدة التي يُعامل أفرادها -إلى حد ما- كمواطنين إسرائيليين بحقوق شبه كاملة، ويخضعون للخدمة العسكرية الإلزامية؟ أليسوا بذلك محل شك محتمل لأنهم قاتلوا أيضًا في الجيش الإسرائيلي؟
أما الدروز السوريون من قرى مرتفعات الجولان التي احتلتها القوات الإسرائيلية خلال حرب يونيو 1967، فقد طبقت الحكومة الإسرائيلية سياسة دمج ومنح امتيازات، لا سيما بالمقارنة مع معاملة السكان غير الدروز في الأراضي المحتلة ذاتها. خلال حرب أكتوبر 1973، تعرضت بعض قرى الدروز في الجولان لقصف متكرر من القوات الجوية السورية، ما أسفر عن بعض القتلى والجرحى، وفي محاولة لتعزيز دعمها في الأوساط الدرزية، أعلنت الحكومة الإسرائيلية لاحقًا أنها ستعوض الخسائر التي تكبدها سكان هذه القرى الدرزية كما لو كانوا مواطنين إسرائيليين.
قد يكون من المفيد التطرق، ولو بإيجاز شديد، إلى موقف الدروز الملتبس نسبيًا في إسرائيل نفسها. فبعد أن انقطعت صلتهم بأبناء طائفتهم في الدول العربية المجاورة -حيث اختار الدروز، خصوصًا في سوريا، هوية قومية عربية توازي أو تعلو على هويتهم الطائفية- اتجه قادة الدروز الفلسطينيين الأصليين، بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، إلى تبني خيار بقاء جماعتهم الدينية ككيان شبه مستقل.
أفادت إذاعة إسرائيل أيضًا أن دروز مرتفعات الجولان احتفظوا بحرية التنقل رغم استمرار حالة الحرب، وزعم متحدث عسكري إسرائيلي أن عددًا كبيرًا من دروز الجولان "أعربوا عن ولائهم لدولة إسرائيل واستعدادهم للمشاركة في جهود الحرب". من المفهوم أن انعدام الثقة المحتمل في سوريا تجاه الدروز السوريين قد لا يزيده إلا تقارير من هذا النوع. ألم يكن هؤلاء الدروز أنفسهم، الذين أفادت إذاعة إسرائيل أنهم عبَّروا عن ولائهم لدولة إسرائيل، مواطنين سوريين قبل حرب يونيو 1967؟
قد يكون من المفيد التطرق، ولو بإيجاز شديد، إلى الموقف الملتبس نسبيًا للدروز في إسرائيل نفسها. فبعد أن انقطعت صلتهم بأبناء طائفتهم في الدول العربية المجاورة -حيث اختار الدروز، خصوصًا في سوريا، هوية قومية عربية توازي أو تعلو على هويتهم الطائفية- اتجه قادة الدروز الفلسطينيين الأصليين، بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، إلى تبني خيار بقاء جماعتهم الدينية ككيان شبه مستقل. ويمكن تفسير هذا الموقف بوصفه امتدادًا لـ"تقليد عمره يقارب الألف عام من الاندماج الاضطراري/ المتصنع دفاعًا عن أسلوب حياة ونظام معتقدات دينية يُصان بغيرة شديدة". وقد اقتضى هذا الاندماج، بالنسبة إلى الدروز الفلسطينيين الخاضعين للحكم الإسرائيلي، كبح أي شعور بالقومية العربية، على الأقل إذا رغبوا في معاملة متكافئة إلى حد ما مع اليهود الإسرائيليين.
دفعَ تحديث المجتمع الدرزي في إسرائيل، وتعرّضُه لتأثير الإعلام العربي، كثيرًا من أبنائه إلى إدراك تخلفهم النسبي ومكانتهم الأدنى مقارنةً باليهود الإسرائيليين، فلم يقبلْهم اليهود كـ نظراء، ولم يثقْ بهم العرب، فوقعوا في مأزق مزدوج. وجدَ كثيرٌ من الدروز مخرجًا بانحيازهم تدريجيًا إلى التيار القومي العربي، الذي امتزجَ بالفكر الاشتراكي، وبدأ يظهر في أوساطهم.
ارتفعت من حين لآخر، أصواتٌ داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل تُطالب برفض الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على الدروز في جيش الاحتلال. انضمَّ بعض الدروز الإسرائيليين فعلًا إلى حركات المقاومة الفلسطينية، كما ظهر ذلك في عمليات المقاومة الفلسطينية عام 1974 في "كريات شمونة" و"معالوت"، حيث شارك دروز في الهجوم. في المقابل يُصرّ الإسرائيليون -يهودًا وأحيانًا دروزًا- على اعتبار الدروز كيانًا مستقلًا ينبغي فصله عن "العرب والمسلمين"، واقترح بعضهم إقامة دولة درزية في الجولان، أو "منطقة حياد درزية" تشمل محافظة السويداء السورية، حيث تتركز الغالبية الدرزية في سوريا.
بالعودة إلى موضوع حرب أكتوبر 1973، وبإعادة بناء الأحداث، لم يُعدم العقيد السوري رفيق حلاوة، بل قُتل أثناء معركة مع الجيش الإسرائيلي، من المرجح أن الجيش الإسرائيلي قد اعترض رسالة إذاعية داخلية للجيش السوري تفيد بمقتل حلاوة في المعركة، ثم استغل موته بطريقة بارعة لأغراض دعائيَّة.
قد يكون من الصعب على قيادة الجيش السوري إنهاء الإشاعات التي نشرتها إذاعة إسرائيل، ولكن في محاولة لذلك، صدر -حسب التقارير- إشعار موجه لجميع الوحدات المسلحة السورية يهدد بالعقاب الشديد لكل من يروج الإشاعات التي تبثها إسرائيل أو حتى يتحدث عنها. ووفقًا لقيادة الجيش السوري، فإن القيام بذلك يخدم مصالح العدو فقط، وطُلب الإبلاغ فورًا إلى القادة عن أي أشخاص يمكن التعرف عليهم كناشرين لإشاعات وتقارير ذات "طابع مشكوك فيه"، وفي نفس التعميم علَّقت قيادة الجيش السوري بشكل غير مباشر على التقارير الإسرائيلية المتعلقة بإعدام الضابط الدرزي رفيق حلاوة وآخرين: نذكر على سبيل المثال أن إذاعة العدو بثّت... أن بعض ضباطنا البارزين قد أُعدموا. لقد اختلقت هذه الأكاذيب الكبيرة لإثارة الشكوك وإحداث الارتباك في أذهان الناس، والحقيقة بلا شك أن أولئك الذين تحدثت عنهم إذاعة العدو قد أدّوا واجبهم الوطني بإخلاص وشرف، ويستحقون تقدير شعبهم وأمتهم.
كنتيجة للدعاية الإسرائيلية، لم يُتَّهم الدروز في سوريا فقط بالتسبب بالهزائم التي لحقت بالجيش السوري خلال حرب أكتوبر، بل بالتسبب في هزائم في جبهات أخرى، لذلك أرسل أفراد من الجالية الدرزية في الكويت بيانًا إلى قادة الدرزية في سوريا ولبنان، طالبوا فيه باتخاذ إجراءات فعالة لوضع حد للإشاعات التي بثتها إذاعة إسرائيل عن الدروز السوريين. وجدت الجالية الدرزية في الكويت نفسها في موقف حسَّاس وصعب نتيجة هذه الإشاعات، وتعرضت بشكل مستمر لانتقادات تشكك في موقفها من الصراع العربي-الإسرائيلي.
كان سلطان الأطرش يحظى باحترام واسع في سوريا بسبب دوره القيادي في الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925، ولذلك اعتُبر بطلًا وطنيًا لسوريا بأسرها وليس فقط داخل المجتمع الدرزي
في محاولة لتفنيد الشائعات الإسرائيلية حول الدروز السوريين، دُعي الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش للتحدث عبر الإذاعة والتلفزيون السوريي في الأول من نوفمبر 1973، أي بعد فترة وجيزة من قبول سوريا الهدنة مع إسرائيل. كان سلطان الأطرش يحظى باحترام واسع في سوريا بسبب دوره القيادي في الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925، ولذلك اعتُبر بطلًا وطنيًا لسوريا بأسرها وليس فقط داخل المجتمع الدرزي. في خطابه أكد سلطان الأطرش على وحدة الشعب السوري القوية التي "لا يمكن أن تهشمها الدعاية الصهيونية والإسرائيلية." وفي 4 نوفمبر 1973 نشرت صحيفة البعث مقابلة أخرى معه أكد فيها تصريحات مماثلة:حاولت إسرائيل نشر دعاية سمِّية لهدم الإجماع العربي، بهدف تآكل العظام من الداخل، لكن هذا المسعى قديم وواضح، هنا في جبل العرب قد تجاوزنا مرحلة الدعاية الزائفة، ووصلنا إلى صورة العرب الحقيقية، جوابنا الحاسم الوحيد على أكاذيب العدو المفبركة هو تقديم أكبر عدد من الشهداء، الذين لن يترددوا في رفع رأس أمتهم عاليًا.
بعد نحو ثمانية أشهر، في 7 تموز 1974، نُقلت رفاة العقيد رفيق حلاوة من المستشفى العسكري في حرستا، ودُفن في دمشق بمقبرة شهداء حرب تشرين، في جنازة مشرِّفة حضرها قادة وحدات عسكرية سورية مختلفة، رئيس الأركان السوري، ووزير الدفاع، إلى جانب وزراء آخرين ووفود من لبنان. سبق وأن ذُكر حلاوة بتكريم في صحيفة البعث، حيث أشاد به وزير الدفاع لجهوده وشجاعته وانضباطه، كما ورد أنه كان محل ثقة قادته، واستجاب لنداء وطنه خلال معارك التحرير في تشرين، وكان من الأبطال البارزين، استُشهد دفاعاً عن أرضه وحرية وطنه. ومع ذلك تركت الشائعات التي بثها راديو إسرائيل حول رفيق حلاوة وآخرين أثرًا في التاريخ.
الخاتمة:
منذ صعود التيار القومي في العالم العربي، تشهد المنطقة عملية تحوّل يجري خلالها استبدال ولاءات قومية و/أو اجتماعية-اقتصادية بالولاءات التقليدية الدينية والقبلية والمناطقية، يمكن لهذه الولاءات الجديدة أن تساهم في تحقيق نوع من الاندماج على مستوى العالم العربي أو بين الكيانات السياسية العربية المختلفة. أما الولاءات الدينية فمن شأنها خصوصًا في الدول التي تضم عددًا كبيرًا من أبناء طوائف دينية متباينة أن تغذّي الانقسام الوطني والاجتماعي، أو تُبقيه قائمًا مما يضعف التماسك الاجتماعي.
تحرص إسرائيل حفاظًا على تفوّقها على استغلال الانقسامات داخل العالم العربي، فتركّز في إعلامها على الخلافات الطائفية، والقبلية، والمناطقية، والقومية، سواء كانت ظاهرة أم كامنة، بين الدول العربية أو داخلها، في محاولة لإعاقة مسار التحوّل الاجتماعي آنف الذكر. كما أن إسرائيل بصفتها "دولة يهودية" قد تجد لنفسها موطئ قدمٍ أكثر انسجامًا في شرق أوسط مفكك إلى كيانات سياسية أو إدارية قائمة على أسس دينية أو إثنية، مقارنة بشرق أوسط تتراجع فيه الأوزان السياسية للانتماءات الدينية، ما دامت لم تعد تُخفي وراءها الفروقات الاجتماعية والاقتصادية.
بينما تتداخل مفاهيم الأمة والجماعة الدينية في الدولة اليهودية إسرائيل تداخلًا وثيقًا يكاد لا يُفصل، لا ينطبق هذا الارتباط على العرب، إذ يمكن تقسيم العرب إلى جماعات دينية متعددة ومتميّزة، إلا أن هذه الجماعات في أغلب الحالات- لا تقتصر على العرب وحدهم، بل تشمل أيضًا فئات من شعوب أخرى، كالأتراك والفرس والأكراد، ولذلك فإن دور الجماعات الدينية أو الدين -إن وُجد- يختلف اختلافًا جوهريًا في القومية العربية عنه في القومية اليهودية، كما يظهر جليًا في حالة دولة إسرائيل.
الخلاصة، أن الدعاية الطائفية الإسرائيلية كما ورد وصفها آنفًا، قد تؤثر في بعض الأحيان سلبًا على عملية الاندماج الوطني في العالم العربي. وخلال حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، كانت الطائفة الدرزية في سوريا هي الجهة التي نالت النصيب الأكبر من الأذى نتيجة البثّ الإسرائيلي. الأخبار التي تصبّ في مصلحة بعض الطوائف على حساب المجتمعات المسلمة، مثل خبر استقالة المفتي، قد تزيد التوتر بين المسيحيين والمسلمين. في 26 يناير 1976، أصدرت إذاعة إسرائيل بيانًا قال فيه وزير الدفاع الإسرائيلي لأفراد حرس الحدود الشمالية أن يسمحوا للمسيحيين اللبنانيين بدخول إسرائيل إذا رغبوا في الهروب من القتال في لبنان. مثل هذه التصريحات تُثير الشكوك بسهولة حول المسيحيين في لبنان ودول عربية أخرى باعتبارهم حلفاء محتملين لإسرائيل ضد طوائف دينية أخرى.
منذ صعود التيار القومي في العالم العربي، تشهد المنطقة عملية تحوّل يجري خلالها استبدال ولاءات قومية و/أو اجتماعية-اقتصادية بالولاءات التقليدية الدينية والقبلية والمناطقية، يمكن لهذه الولاءات الجديدة أن تساهم في تحقيق نوع من الاندماج على مستوى العالم العربي أو بين الكيانات السياسية العربية المختلفة. أما الولاءات الدينية فمن شأنها خصوصًا في الدول التي تضم عددًا كبيرًا من أبناء طوائف دينية متباينة أن تغذّي الانقسام الوطني والاجتماعي، أو تُبقيه قائمًا مما يضعف التماسك الاجتماعي.
تحرص إسرائيل حفاظًا على تفوّقها على استغلال الانقسامات داخل العالم العربي، فتركّز في إعلامها على الخلافات الطائفية، والقبلية، والمناطقية، والقومية، سواء كانت ظاهرة أم كامنة، بين الدول العربية أو داخلها، في محاولة لإعاقة مسار التحوّل الاجتماعي آنف الذكر. كما أن إسرائيل بصفتها "دولة يهودية" قد تجد لنفسها موطئ قدمٍ أكثر انسجامًا في شرق أوسط مفكك إلى كيانات سياسية أو إدارية قائمة على أسس دينية أو إثنية، مقارنة بشرق أوسط تتراجع فيه الأوزان السياسية للانتماءات الدينية، ما دامت لم تعد تُخفي وراءها الفروقات الاجتماعية والاقتصادية.
بينما تتداخل مفاهيم الأمة والجماعة الدينية في الدولة اليهودية إسرائيل تداخلًا وثيقًا يكاد لا يُفصل، لا ينطبق هذا الارتباط على العرب، إذ يمكن تقسيم العرب إلى جماعات دينية متعددة ومتميّزة، إلا أن هذه الجماعات في أغلب الحالات- لا تقتصر على العرب وحدهم، بل تشمل أيضًا فئات من شعوب أخرى، كالأتراك والفرس والأكراد، ولذلك فإن دور الجماعات الدينية أو الدين -إن وُجد- يختلف اختلافًا جوهريًا في القومية العربية عنه في القومية اليهودية، كما يظهر جليًا في حالة دولة إسرائيل.
الخلاصة، أن الدعاية الطائفية الإسرائيلية كما ورد وصفها آنفًا، قد تؤثر في بعض الأحيان سلبًا على عملية الاندماج الوطني في العالم العربي. وخلال حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، كانت الطائفة الدرزية في سوريا هي الجهة التي نالت النصيب الأكبر من الأذى نتيجة البثّ الإسرائيلي. الأخبار التي تصبّ في مصلحة بعض الطوائف على حساب المجتمعات المسلمة، مثل خبر استقالة المفتي، قد تزيد التوتر بين المسيحيين والمسلمين. في 26 يناير 1976، أصدرت إذاعة إسرائيل بيانًا قال فيه وزير الدفاع الإسرائيلي لأفراد حرس الحدود الشمالية أن يسمحوا للمسيحيين اللبنانيين بدخول إسرائيل إذا رغبوا في الهروب من القتال في لبنان. مثل هذه التصريحات تُثير الشكوك بسهولة حول المسيحيين في لبنان ودول عربية أخرى باعتبارهم حلفاء محتملين لإسرائيل ضد طوائف دينية أخرى.