Israel and Arab National Integration: Pluralism versus Arabism
اقرأ النص باللغة الأصلية | Author: Nikolas Van Dam
مقدمة سياقية للمترجم
على الرغم من مرور أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً على نشر هذه الورقة، فإنها ما تزال قادرةً على تفسير الكثير من المسارات السياسية والاجتماعية في المنطقة, و إسرائيل التي لم تتوقف يوماً عن استغلال ورقة الانقسامات المجتمعية لتوسيع نفوذها، ما تزال تمارس السياسة ذاتها، وإن تغيّرت أدواتها وأشكالها. ويبدو هذا الاستغلال اليوم واضحاً في الحالة السورية، حيث برزت نزعات انفصالية تتقاطع مع خطابات وتصريحات إسرائيلية داعمة.
لقد ظل النهج الإسرائيلي قائماً على ترسيخ التعددية الطائفية والعرقية كأداة لتفكيك المجتمعات العربية, ويبرز مثال ذلك في المساحة السياسية والاجتماعية التي تحاول إسرائيل تثبيتها لدى بعض المكوّنات، مثل الدروز اليوم في سوريا، والموارنة سابقاً في لبنان. ومع ذلك، وبعد مرور أربعة عقود على تلك المحاولات، يتضح أن نجاح هذه السياسات ليس حتمياً؛ إذ لم تحقق إسرائيل أهدافها كاملةً في حينه، وليس من الضروري أن تنجح الآن. وبينما ركّزت الورقة، عند نشرها عام 1979، على علاقة حزب البعث بالقومية العربية في سياق تلك المرحلة، فإن أهميتها اليوم تكمن في تسليط الضوء على النظرة الإسرائيلية لطبيعة الصراع مع العالم العربي، وهي نظرة لم تتبدل كثيراً عبر الزمن، بل تحاول إسرائيل تعزيزها وتطويرها.
إن ترجمة هذه الورقة تأتي لإعادة فتح النقاش حول هذه الإشكالية تحديداً، حيث يكشف نيكولاوس فان دام بوضوح ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية التي لم تتغير جوهرياً منذ عقود، وهو ما يستدعي من الباحثين وصنّاع القرار السوريين العودة إلى مثل هذه الدراسات، للبناء عليها وفهم الخط الإسرائيلي في التعامل مع قضايا المنطقة.
كلمات مفتاحية
القومية العربية - الصهيونية - الولاءات الطائفية - التعددية الدينية - إسرائيل الدولة اليهودية - الأقليات في الشرق الأوسط - الهوية الوطنية الفلسطينية - الدروز في إسرائيل - العروبة العلمانية - التقسيم الطائفي
العروبة العلمانية مقابل الصهيونية
“الوطن العربي وحدة سياسية واقتصادية غير قابلة للتجزئة؛ ومن المستحيل لأي دولة عربية أن تحقق متطلبات الحياة بمعزل عن غيرها.”
سيَتضح مما سبق أن العروبة العلمانية والصهيونية تتعارضان تمامًا فيما يتعلق برؤيتهما للمستقبل المثالي للمجتمع في الشرق الأوسط.
تُعتبر أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تحكم فصائل مختلفة منه اليوم في سوريا والعراق، أهم ممثل للعروبة العلمانية، حيث تتجلى رؤية الحزب للمجتمع العربي المثالي في دستور الحزب الصادر عام 1947 في تناول الدستور التعددية والعروبة كما يلي:
1. الوطن العربي وحدة سياسية واقتصادية غير قابلة للتجزئة؛ ومن المستحيل لأي دولة عربية أن تحقق متطلبات الحياة بمعزل عن غيرها.
2. الأمة العربية تشكل وحدة ثقافية، وجميع الاختلافات القائمة بين أبنائها عارضة وزائفة، وستزول مع بزوغ الوعي العربي.
3. الوطن العربي للعرب فقط، وهم وحدهم لهم الحق في إدارة شؤونه، والتصرف في ثرواته، وتوجيه مصيره.
4. الرابطة الوطنية هي الرابطة الوحيدة الموجودة في الدولة العربية، وهي تضمن الانسجام بين المواطنين من خلال دمجهم في بوتقة أمة واحدة، وتكافح جميع أشكال الفتنة الدينية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية.
يتبنى القادة السياسيون الصهاينة في إسرائيل أفكارًا مخالفة تمامًا لذلك، حيث يرى كثير منهم أن التعايش السلمي بين اليهود والعرب في الشرق الأوسط لن يكون ممكنًا إلا إذا تم الاعتراف بطابع التعددية للسكان المحليين، ودعم الرؤية التي تعتبر المجتمع الشرق أوسطي يتكوّن من كيانات دينية وعرقية متميزة يجب الاعتراف بحقها في تقرير المصير. يمكن تتبع هذه الرؤية بوضوح في كلمات الأستاذ شلومو أفينيري، ففي أغسطس 1976، وفي منصبه كمدير عام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، علَّق خلال محاضرة حول الحرب الأهلية التي كانت تدور آنذاك في لبنان:
"ينبغي الافتراض أن الترسيخ الأقوى لشعب الموارنة في لبنان، الذي تحقق خلال فترة القتال، سيؤدي إلى حتمية أن يأخذ الهيكل التشريعي المستقبلي في لبنان في الاعتبار حق الموارنة في تقرير مصيرهم... إن الاعتراف بالطابع التعددي للشرق الأوسط هو شرط أساسي لإقامة السلام في المنطقة... ومثال إسرائيل يُعتبر عاملًا مشجِّعًا لمجموعات أخرى في المنطقة ليست مستعدَّة للقبول بسيادة عربية-إسلامية مطلقة.
في ذات الفترة، جادل أفينيري بأن الشرق الأوسط يجب أن يشهد "مساحة لتنوّع الحركات الوطنية"، وأضاف قائلًا:
"يجب إحباط المحاولة العربية لإنشاء شرق أوسط عربي-إسلامي بالكامل، فهذا ما فعلناه عندما أسسنا الدولة اليهودية، والآن يجري شيء مماثل مع المجتمع الماروني في لبنان، يتطور لديهم وعي ذاتي. المأساة أن الأمم تتشكل عبر الحروب والدماء والنار، وهذا ما يحدث للأقلية المارونية في لبنان، لكنهم يستيقظون ويشكلون أنفسهم... لا أستطيع تصور حل لبناني لا يُدمج فيه شعب ماروني يقرر مصيره كهوية دينية".
عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي السابق عبا إيبان عن أفكار مماثلة حين قال في مقابلة بتاريخ 8 أغسطس 1976:
"يدّعي القوميون العرب أن الشرق الأوسط عربي، متجانس وموحّد. نحن نرى أن للشرق الأوسط تركيبًا متعدد الألوان يحتوي على مكوّن إسرائيلي (أي يهودي)، ومسيحي، وكردي، وغير ذلك... العبرة التي نستخلصها، وهي عبرة بالغة الأهمية بالنسبة لي، هي أن البلد الذي يفتقر إلى وحدة إنسانية في تكوينه محكوم عليه بالمأساة... كان لبنان لسنوات طويلة دالًا على سكان مسيحيين مارونيين متماسكين في جبل لبنان، ثم جاءت فرنسا ووسّعت الحدود، مضيفة إلى لبنان أراضي وسكانًا مسلمين".
وتأسيسًا على ذلك -وفقًا لعبا إيبان- ينبغي على إسرائيل أن تستخلص الدرس القائل إنها إذا أرادت البقاء كدولة يهودية، فعليها الحذر من دمج مجموعات كبيرة من غير اليهود (أي العرب الفلسطينيين). سنرى هذا الوضع في حال قامت إسرائيل مثلًا بضم الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك سكانهما العرب. ولهذا السبب قال إيبان:
"يجب أن نقدِّر ألف مرة الإيجابيات والسلبيات قبل أن نُغرَى بمخططات تُدخل تغييرات عميقة على التركيب الديموغرافي والوطني لدولة إسرائيل. أعتقد أنه لو ظل لبنان أكثر تماسكًا، ولكن أكثر توحدًا في تركيبه، لكان قادرًا على الصمود بشكل أفضل بكثير. لا أعلم إن كان من الممكن في هذه المرحلة المتأخرة العودة إلى موضوع التقسيم.
ذلك سيكون للّبنانيين قرارًا حاسمًا بأثر رجعي حول شيء كان يجب فعله في الأصل. أما إسرائيل، فهي تواجه خيارًا ولا يجب أن تتجاهل هذا الدرس. أولئك الذين ينتهكون الوحدة الوطنية الداخلية، وولاء كل مواطن للعلم، وللهدف، ولأهداف الأمة، فهم في الحقيقة يعرضون وجود الدولة وأمنها للخطر".
وفقًا للمفهوم الصهيوني للمجتمع المستقر في الشرق الأوسط، ينبغي ,من جهة, أن يكون هناك مجال لكيانات سياسية منفصلة قائمة على أساس طائفي و/أو عرقي متجانس إلى حد ما، مثل الموارنة أو الأكراد، والتي قد تصل حتى إلى شكل دول مستقلة كما هو الحال مع اليهود. ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن يكون هناك مجال، على سبيل المثال، لدولة فلسطينية عربية، ناهيك عن دولة علمانية ديمقراطية في كامل فلسطين كما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتصور في الأصل، حيث يمكن للعرب واليهود بغض النظر عن دياناتهم أن يتعايشوا سلميًا جنبًا إلى جنب. وحسب الرؤية الصهيونية القائمة على التفرقة العرقية والدينية للمجتمع، فإن كلا الخيارين الفلسطينيين الأخيرين يشكلان كيانات غير متجانسة لن تؤدي إلا إلى عدم استقرار سياسي في المستقبل. علاوة على ذلك، يجب ملاحظة أنه وفقًا لنفس الرؤية، فإن حالة وجود دولة عربية-يهودية في كامل أراضي فلسطين ستشهد عدم استقرار أكبر حتى من حالة وجود دولة فلسطينية محدودة بمنطقة يشكل فيها الفلسطينيون العرب أغلبية عددية، مثل الضفة الغربية أو قطاع غزة.
إسرائيل كـ درع الأقليات في الشرق الأوسط
“أرى إسرائيل كدرع للأقليات في كامل الشرق الأوسط.” — مناحيم بيغن
يجب أن يتضح مما سبق أن دعم إسرائيل لفصائل مسيحية مارونية مختلفة في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية لا يُفسَّر فقط في إطار المصالح العسكرية الاستراتيجية، بل أيضًا في إطار السياسة الإسرائيلية تجاه الأقليات الدينية في العالم العربي عمومًا، ويبدو أن هذه السياسة تهدف إلى الحفاظ على الطابع التعددي الديني والعرقي للمجتمع الشرق أوسطي، كما كان قائمًا في عهد تفكك الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين.
ويمكن الاستنتاج من كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، الذي علق في مقابلة أجريت في سبتمبر 1977 على مساعدة إسرائيل للعرب المسيحيين الموارنة في لبنان، أن إسرائيل، إذا دعت الحاجة، تنوي أن تلعب دورًا نشطًا ومركزيًا في الحفاظ على هذا الطابع التعددي:
"نحن نساعدهم بحسن نية، على أساس أن لا تُدمَّر أقلية بواسطة أغلبية، مستندين إلى قول: «وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ». أرى إسرائيل كدرع للأقليات في كامل الشرق الأوسط."
يبدو من الآمن الافتراض أن رئيس الوزراء بيغن، عندما طالب إسرائيل بدور حامي "الأقليات" في كامل الشرق الأوسط، كان يشير فقط إلى أقليات دينية وعرقية محددة - مثل الموارنة، والدروز، والأكراد، أو اليهود المقيمين في الدول العربية (على الأقل بقدر ما يمكن لإسرائيل اعتبارهم حلفاء تكتيكيين في مواجهة القومية العربية التوحيدية)- وبالتأكيد ليس إلى أقليات من فئات أخرى مثل العرب الفلسطينيين.
إسرائيل والهوية الوطنية العربية الفلسطينية
على عكس نظرائهم داخل إسرائيل، فإن الفلسطينيين العرب الذين فرّوا من وطنهم الأصلي ولجأوا إلى الدول العربية المجاورة لا يتم تقسيمهم عمومًا حسب الدين من قبل الإدارة الإسرائيلية. وفيما إذا كانت السلطات الإسرائيلية تمنح أي هوية لهؤلاء الفلسطينيين على الإطلاق، فإن الممارسة الحالية تقتصر فقط على تسميتهم "عربًا"، ومن ضمن دلالات هذا المصطلح أن الفلسطينيين "فعليًا" عرب، وبالتالي يمكنهم الذهاب إلى دول عربية أخرى. وفي الرؤية الإسرائيلية المشار إليها سابقًا، لا مكان في الشرق الأوسط لـ"أمم" مثل العرب الفلسطينيين الذين تستند مشاعرهم الجماعية أساسًا إلى أصلهم الجغرافي المشترك، ولكن على الأقل وفقًا لتلك الرؤية، يندر وجود خصائص مميزة تميزهم عن بقية العرب.
لذلك، عادةً ما تتجنب الإدارة الإسرائيلية استخدام أي مصطلحات قد توحي بالاعتراف بهوية وطنية خاصة للعرب الفلسطينيين، ويختلف هذا عن موقفهم تجاه العرب المسيحيين الموارنة في لبنان، الذين تُبرز وسائل الإعلام الإسرائيلية عادة هويتهم (الزائفة) الوطنية.
ومع ذلك، إذا تجاوزنا معيار التجانس الطائفي أو العرقي الذي غالبًا ما تطبقه إسرائيل، واعتمدنا منطلقًا مفاده أن "المأساة تكمن في أن الأمم تُصنع عبر الحروب والدماء والنار" فإن العرب الفلسطينيين، بكل ما مروا به خلال العقود الثلاثة الماضية وأكثر، لديهم نوع من الهوية "الوطنية" تمامًا كما هو الحال مع العرب المسيحيين الموارنة في لبنان.
السياسة الإسرائيلية تجاه الأقليات الداخلية
تتجلى سياسة التعددية تجاه الأقليات داخل إسرائيل بوضوح في الطريقة التي يُسجَّل بها الأصل الديني أو العرقي في بطاقات الهوية الرسمية، حيث يُقسَّم السكان رسميًا إلى يهود، ومسيحيين، ودروز، وشركس، وعرب، ويُفهم من هذا المصطلح الأخير على أنه يشير إلى الفلسطينيين العرب الناطقين بالعربية والذين يتبعون المذهب السني. وبهذا التصنيف يُقسم الفلسطينيون العرب داخل إسرائيل إلى مجموعتين: من جهة يُصنف السنة كأقلية قومية (أي عرب)، ومن جهة أخرى يُصنف المسيحيون والدروز كأقليات دينية (وبالتالي، ضمنيًا، غير عربية).
وقد يكون من النتائج المهمة لهذا التقسيم أن الأفكار القومية العربية تطورت عمومًا بين الفلسطينيين العرب المسيحيين والدروز بوتيرة أبطأ مما كانت عليه بين الفلسطينيين العرب السنة، وإذا صحَّ ذلك فقد طرأ تغير كبير على هذا الوضع خلال العقد الماضي، لا سيما داخل المجتمع الدرزي.
الموقف المزدوج للدروز في إسرائيل
من بين الأقليات الدينية الناطقة بالعربية في إسرائيل، يواجه الدروز موقفًا مزدوجًا بشكل خاص، فقد انفصلوا عن إخوانهم في الدين في الدول العربية المجاورة، حيث اختار الدروز -خصوصًا في سوريا- في الغالب الهوية القومية العربية إلى جانب ,أو فوق, هويتهم الطائفية. أما قادة الدروز الفلسطينيين الأصليين، فقد اختاروا منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 بوضوح الحفاظ على وجود جماعتهم الدينية ككيان مستقل إلى حد ما.
يمكن تفسير موقفهم هذا على أنه استمرار "لتقليد اضطراري/ مصطنع يعود إلى ما يقرب من ألف عام في الاندماج من أجل الدفاع عن أسلوب حياة ومعتقد ديني يُحرس بحرص". وكان هذا الاندماج يعني أن الدروز الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم إسرائيل اضطروا إلى قمع أي مشاعر قومية عربية قد تنشأ، على الأقل إذا رغبوا في المعاملة على قدم المساواة مع اليهود الإسرائيليين تقريبًا. تسببت تحديثات المجتمع الدرزي في إسرائيل، بالإضافة إلى تعرضه لتأثير الإعلام العربي، في زيادة وعي أفراده بتخلفهم النسبي ووضعهم الأدنى مقارنة بأغلبية اليهود الإسرائيليين. يجد الدروز أنفسهم في مأزق، إذ لا يقبلهم اليهود الإسرائيليون عمليًا كأنداد، بينما يشكك العرب الآخرون فيهم بسبب موقفهم من دولة إسرائيل ولأنهم المجموعة العربية الوحيدة في إسرائيل التي تخضع للخدمة العسكرية الإلزامية.
يتجه الدروز الإسرائيليون بشكل متزايد إلى الخروج من هذا المأزق عبر انضمامهم إلى التيار القومي العربي الناشئ، الذي يجمع بين الأفكار القومية والاشتراكية، والذي بدأ يظهر في مجتمعهم، ومن حين لآخر تُسمع أصوات داخل المجتمع الدرزي الإسرائيلي تدعو إلى رفض الخدمة العسكرية الإلزامية للدروز في الجيش الإسرائيلي، كما أفيد أن بعض الدروز الإسرائيليين بدأوا بالانضمام إلى الحركات الفدائية الفلسطينية، كما ظهر ذلك من خلال الغارات الفدائية التي نفذت عام 1974 على مدينتي كريات شمونة ومالوت الإسرائيليتين، حيث كان الدروز من بين المهاجمين. وفي الوقت نفسه تؤكد الإدارة الإسرائيلية، وكذلك بعض الدروز الإسرائيليين، أن الدروز يشكلون كيانًا متميزًا يجب التمييز بينه وبين "العرب والمسلمين" عمومًا، فقد اقتُرح أحيانًا إقامة دولة درزية على هضبة الجولان، أو "منطقة درزية محايدة" تشمل محافظة السويداء السورية التي يعيش فيها أغلب الدروز السوريين.
وقد يُعتبر تقرير نُشر في صحيفة معاريف الإسرائيلية بتاريخ 21 سبتمبر 1977 مثالًا على تصنيف الدروز كغير عرب:
"من المتوقع أن تتبع التغييرات الحكومية سياسة قمعية صارمة تجاه المنظمات القومية والعدائية، حتى وإن اقتصر نشاطها في الوقت الحالي على الدعاية والتحريض لفظيًا وكتابيًا. من بين المنظمات المتطرفة التي ظهرت حديثًا في هذا السياق لجنة المبادرة الدرزية، مؤسسو هذه المنظمة -التي لا يزال عدد أعضائها قليلًا- يؤيدون طمس الهوية الدرزية، ويدَّعون أنهم جميعًا عرب وأن الاختلاف الوحيد يكمن في دينهم، كما يطالبون بتغيير بطاقات هويتهم وتعديل جنسيتهم من دروز إلى عرب، فقد ركزت هذه المجموعة خلال السنوات الأخيرة نشاطها على الدعاية ضد الخدمة العسكرية الإلزامية للدروز في قوات الدفاع الإسرائيلية، وقد اشتبه في تشجيع أعضائها للدروز على الانشقاق من الجيش."
الخاتمة:
إن عملية التحول في المجتمع العربي، التي تحل فيها الولاءات الوطنية العربية والولاءات الاجتماعية والاقتصادية محل الولاءات الطائفية والمناطقية والقبلية التقليدية، والتي ذُكرت في بداية هذا المقال، ليست عملية مستمرة ومتواصلة؛ إذ قد لا يُتحقق أبدًا المدى النظري النهائي لها، وفي بعض أوضاع الأزمات الخاصة -مثل الحرب الأهلية الأخيرة في لبنان- يمكن الحديث حتى عن تراجع. وتبدو عملية التحول قابلة للانعكاس جزئيًا فقط بسبب أن القومية العربية تطورت إلى قوة سياسية لم يعد بالإمكان تجاهلها ولا صدها بسهولة، لا سيما أن فكرة التكامل القومي العربي والتعاون بين الدول العربية في مختلف المجالات تصب عمومًا في مصلحة العرب، وقد ترسخت في أذهان العديد من القادة السياسيين منهم. لقد أدت المشاعر الاجتماعية والاقتصادية الناشئة في أعقاب القومية العربية ذات التوجه الاشتراكي إلى حد ما إلى استبدال التقسيم الطائفي للمجتمع الشرق أوسطي، الذي كان قائمًا عموديًا في عهد الإمبراطورية العثمانية، ببنية وطنية أكثر أفقية ومبنية على الطبقات الاجتماعية، مما يصعب معه العودة بسهولة إلى تقسيم سياسي للمجتمع العربي على أساس طائفي. حتى الآن، لم تؤدِّ الجهود الرامية إلى إعادة ذلك التقسيم الطائفي إلاَّ لإحداث اضطرابات سياسية خطيرة في العالم العربي، وبالتالي فإن أطروحة الصهيونية الإسرائيلية القائلة بأن الاعتراف بالطابع التعددي للمجتمع الشرق أوسطي هو شرط لإقامة السلام في المنطقة تنطبق فقط عند التفكير بفئات وطنية مثل العرب والأكراد، وليس عند التفكير بفئات طائفية مثل الموارنة والدروز. يبدو أن الاستقرار السياسي شرط أساسي لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. وبالتالي، يمكن القول إن التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وعالم عربي يتمتع بقدر كبير من التماسك والاندماج الطائفي، يُعدّ أكثر ضمانًا لسلام طويل الأمد، مقارنةً باتفاق يُبرم مع عالم عربي منقسم على أسس طائفية.
إن عملية التحول في المجتمع العربي، التي تحل فيها الولاءات الوطنية العربية والولاءات الاجتماعية والاقتصادية محل الولاءات الطائفية والمناطقية والقبلية التقليدية، والتي ذُكرت في بداية هذا المقال، ليست عملية مستمرة ومتواصلة؛ إذ قد لا يُتحقق أبدًا المدى النظري النهائي لها، وفي بعض أوضاع الأزمات الخاصة -مثل الحرب الأهلية الأخيرة في لبنان- يمكن الحديث حتى عن تراجع. وتبدو عملية التحول قابلة للانعكاس جزئيًا فقط بسبب أن القومية العربية تطورت إلى قوة سياسية لم يعد بالإمكان تجاهلها ولا صدها بسهولة، لا سيما أن فكرة التكامل القومي العربي والتعاون بين الدول العربية في مختلف المجالات تصب عمومًا في مصلحة العرب، وقد ترسخت في أذهان العديد من القادة السياسيين منهم. لقد أدت المشاعر الاجتماعية والاقتصادية الناشئة في أعقاب القومية العربية ذات التوجه الاشتراكي إلى حد ما إلى استبدال التقسيم الطائفي للمجتمع الشرق أوسطي، الذي كان قائمًا عموديًا في عهد الإمبراطورية العثمانية، ببنية وطنية أكثر أفقية ومبنية على الطبقات الاجتماعية، مما يصعب معه العودة بسهولة إلى تقسيم سياسي للمجتمع العربي على أساس طائفي. حتى الآن، لم تؤدِّ الجهود الرامية إلى إعادة ذلك التقسيم الطائفي إلاَّ لإحداث اضطرابات سياسية خطيرة في العالم العربي، وبالتالي فإن أطروحة الصهيونية الإسرائيلية القائلة بأن الاعتراف بالطابع التعددي للمجتمع الشرق أوسطي هو شرط لإقامة السلام في المنطقة تنطبق فقط عند التفكير بفئات وطنية مثل العرب والأكراد، وليس عند التفكير بفئات طائفية مثل الموارنة والدروز. يبدو أن الاستقرار السياسي شرط أساسي لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. وبالتالي، يمكن القول إن التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وعالم عربي يتمتع بقدر كبير من التماسك والاندماج الطائفي، يُعدّ أكثر ضمانًا لسلام طويل الأمد، مقارنةً باتفاق يُبرم مع عالم عربي منقسم على أسس طائفية.